أزمة الوقود تضرب بقوة في غزة وتهدد بكارثة

خلت شوارع قطاع غزة من السيارات، باستثناء عدد قليل منها، وذلك بسبب نفاد الوقود بعدما منعت السلطات المصرية إدخاله إلى القطاع منذ قرابة الشهر، الأمر الذي تسبب في أزمة خانقة مرشحة إلى أن توقف كل أشكال الحياة، مهددة بكارثة إنسانية كبيرة.
وتشبه هذه الأزمة التي يعيشها قطاع غزة تلك التي ضربته قبل الحرب على غزة نهاية عام 2008، حينما توقفت كل أشكال الحياة آنذاك بفعل منع نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك إدخال الوقود إلى القطاع.
وتتزامن أزمة الوقود في قطاع غزة مع أزمة خانقة في الكهرباء يعيشها سكان القطاع، حيث تصل الكهرباء كل بيت في القطاع ست ساعات في اليوم الواحد، مما يترتب عليه آثار صحية وبيئة واجتماعية كبيرة، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية تلقى بظلالها على مجمل المناحي والمرافق الحياتية وبشكل لم يسبق له مثيل، ويزيد من معاناة الفلسطينيين في ظل استمرار الحصار.
وأعلنت محطات الوقود عن توقفها نتيجة لنفاد الكميات المتواجدة لديها، وذلك بعدما كانت طوابير المصطفين والسيارات على المحطات وهي تنتظر دورها بأي كمية وقود، مشهداً مألوفاً للناظرين.
نفاد الوقود
وقال محمود أبو حجير، صاحب محطة أبو حجير للبترول لـ “قدس برس” إن المحطة شبه مغلقة نتيجة لعدم توفر الوقود الكافي، فالكمية التي تقدمها هيئة البترول للمحطات قليلة جدًا وتتفاوت من محطة لأخرى على أساس الأقدمية ومن يزودون المؤسسات الحكومية والمخابز، لذلك نلاحظ أن المحطات الفرعية هي الأكثر معاناة”.
وأضاف: “لقد اثر نفاد الوقود بنسبة 90 في المائة علينا وعلى غيرنا من المحطات الصغيرة، مما يضطر السائقين لشراء السولار من السوق السوداء، بأسعار مضاعفة”.
وعزا أسباب تفاقم أزمة نقص الوقود إلى عدم المتابعة والمراقبة من قبل جهات الاختصاص والتأكد من وصول كل الكمية كاملة من الوقود لصاحبها. لكنه استدرك بالقول: “إن المحاولات التي تبذلها الهيئة العامة للبترول وأعضاء الحكومة في غزة للتوصل إلى حل لهذه المشكلة الخارجة عن إرادتهم، هي جهود كبيرة”.
وعلى مسافة ليست بعيدة؛ تقع محطة “البابا”، التي أصبحت شبه مهجورة، يجلس عمالها ولقد ارتسمت على وجوهم ملامح اليأس والإحباط، يشتكون سوء الحال في ظل استمرار هذا الوضع، حيث يقول موسى النباهين أحد العاملين بالمحطة ” لـ “قدس برس”: “لنا شهر تقريباً لم يصلنا لتر واحد من السولار، وما يوجد لدينا هنا هو “بنزين سوبر” وثمنه غالٍ جداً على المواطن لذلك ليس عليه طلب”، معتبراً بأنه “لا يوجد أي مساع جادة لحل هذه المشكلة وان الحال أصبح لا يحتمل”.
وأثناء حديث “قدس برس” مع العاملين في محطات الوقود، يقاطعهم السائقون سائلين، إذا كان يوجد لديهم وقود؟ فيجيبوه بالنفي، ويستفسر الجميع عن موعد قدوم الوقود.
معاناة لا تنتهي
مشكلة نفاذ الوقود وانقطاع التيار الكهربائي تلقى بظلالها على كافة مناحي الحياة، ولم تستثن أي مواطن منها. فبكل غضب وألم يقول المواطن عبد الحي أبو حجير والذي يعمل سائقا على سيارة أجرة “معاناتنا مع الوقود كبيرة جدًا، فنحن ننام بالمحطات انتظارًا لتزويدنا ببعض الوقود لنعمل على سيارتنا، وهي المصدر الوحيد لرزقنا وإعالة أسرنا، ونقوم بالبحث هنا وهناك ونتنقل بين المحطات لعلنا نجد في أي منها ولو القليل من السولار لسد جزء من حاجتنا، ولكن بدون فائدة”.
أما السائق محمد فرج الله، صاحب سيارة، يشتكي هو الآخر من شح الوقود في محطات القطاع فيقول: إنه قلل من عمله إلى النصف، حفاظًا على ما يمتلكه من مخزون “السولار”، ويقوم بالتحرك في الضرورة القصوى”.
ويضف لـ “قدس برس” “إذا استمر الوضع على ما هو عليه، سأقوم بركن سيارتي، لأنني لا أستطيع توفير السولار للعمل عليها لأنضم إلى طوابير العاطلين عن العمل”.
وفي الوقت الذي خلت فيه شوارع القطاع من السيارات؛ فإنها ازدحمت بالمارة الذين لا يجدون من يقلهم بسياراتهم ليسروا على أقدامهم لمسافات طويلة.
الحياة التعليمية
ويقول معاذ خطاب، وهو طالب جامعي ويقطن وسط قطاع غزة ويدرس بمدينة غزة لـ “قدس برس” “كل يوم صباحًا انتظر بالساعات لكي أجد سيارة تقلني إلى جامعتي بمدينة غزة، انتظر في برد الشتاء القارس، وبعد معاناة من الانتظار نصل محاضراتنا متأخرين. كم أتمنى أن تحل هذه المشكلة التي تنذر بكارثة حقيقية”.
وأضاف: “وأثناء العودة إلى البيت في أحيان كثيرة اضطر للسير على الأقدام مسافات طويلة، وذلك لأنني لم أجد سيارة تقلني إلى البيت بسبب توقف معظم السيارات”.
إغلاق بعض المخابز
وعن معاناة أصحاب المخابز؛ يذكر محمود اليازجي صاحب مخبز اليازجى لـ “قدس برس”: “أن نفاد الوقود أثر علينا بشكل كبير، مما يضطرنا إلى شراء السولار من السوق السوداء بثمن أغلى بكثير مقارنة بالأيام الماضية، فما يحدث الآن هو عملية احتكار للكميات الموجودة وبيعها بأسعار مضاعفة”.
وأضاف أن الكميات التي توردها لهم هيئة البترول لا تكفى لسد حاجة مخبزهم، مشيرًا إلى أنه “لا يوجد أي مخزون سابق، وأن بيع الخبز في الوقت الحالي برأس ماله وغالباً ما يكون بخسارة، لأنهم يقومون بشراء السولار من السوق السوداء بثمن أغلى مما كان سابقًا”.
واعتبر أن السبب الرئيس لهذا النقص هو الانقطاع المتواصل للكهرباء والتي تصلهم فقط ست ساعات يوميًا، وبعد ذلك يتم العمل على المولد الذي يعمل على السولار والذي تقترب من النفاد.
وأكد همام الحاج صاحب أحد المخابز أن مخبزه، والذي يقع وسط قطاع غزة، لم يصله أي شيء من هيئة البترول، مناشداً كل المختصين وأصحاب الشأن بمحاولة السعي لحل هذه الأزمة التي هي باتساع مستمر.
وأشار إلى أن بعض المخابز قد توقفت عن العمل نتيجة لنقص الشديد للوقود، وعدم القدرة على الاستمرار في ظل هذا الوضع، وأن بقية المخابز تسير على دربها، كما قال.
الوضع الصحي والمياه
وألقى نقص الوقود بظلاله على عمل المشافي، حيث بات الأمر يهدد المئات من المرضى، بحسب الدكتور حسن خلف وكيل وزارة الصحة بغزة.
وقال في تصريح له “إن قطع التيار الكهربائي ونقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات البديلة بات يهدد مائة طفل من الأطفال “الخدج” المنمومين في حاضنات الأطفال الموصولة بشكل دائم بالتيار الكهربائي والتي تمدهم بالحياة”، مؤكدًا أن توقف أجهزة التنفس الصناعي يعرض حياة المرضى لخطر الموت في أي لحظة.
ولم يكن وضع المياه بأحسن من وضع الكهرباء والوقود، في ظل انقطاع الأول والثاني؛ فان الثالث يتبعه بشكل طبيعي نظرًا لاعتماد المياه على الكهرباء والوقود في الوصول إلى منازل الغزيين.
وقالت فاطمة دياب لوكالة “قدس برس”: “منذ أكثر من أسبوع لا يوجد في بيتنا قطرة ماء واحدة، بسبب تزامن انقطاع التيار الكهربائي مع انقطاع الماء التي لا تصلنا إلا 12 ساعة كل أسبوع”.
وأضافت: “حينما كان برنامج قطع الكهرباء يوم بيوم كنا ننتظر الماء وقت وصولها ويمكننا تعبئة خزانات المياه لدينا، أما الآن فأصبح من النادر أن تصل، وإن وصلت لا يوجد كهرباء لرفعها ولا مولدات نظرًا لانقطاع الوقود”.
وأكدت أنه من الصعب أن تصف صعوبة الحياة بدون ماء أو كهرباء أو وقود، مشيرة إلى أن هذه اللحظات تشبه اللحظات التي سبقت الحرب على غزة وخلال الحرب والتي انقطعت خلالها المواد الغذائية وحل الموت والدمار، بحسب تعبيرها.
وأمام هذا الواقع المرير الذي يعيشه سكان قطاع غزة من قطع للتيار الكهربائي، وعدم وصول الماء، ونقص للوقود، يؤكد المواطنون بأن حياة قرابة مليوني فلسطيني تبقى معلقة بسماح “مصر الثورة” إدخال السولار الصناعي لتشغيل محطة التوليد والوقود لتشغيل الآليات والسيارات، وألا تسمح بتفاقم الأوضاع، كما سمح من قبل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك عشية الحرب على غزة قبل أكثر من ثلاث سنوات.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...