الثلاثاء 13/مايو/2025

قانون صهيوني يفتح جدل العلاقة بين الدين والدولة في الكيان

قانون صهيوني يفتح جدل العلاقة بين الدين والدولة في الكيان

جاء قرار المحكمة العليا بحظر التمديد لقانون طال، الذي ينظم أمر تجنيد طلاب المدارس الدينية اليهودية في الجيش الإسرائيلي، ليفتح الجدل الصاخب من جديد في العلاقة بين الدين والدولة في إسرائيل. وقد فاقت أهمية القرار ما عداه من قرارات سابقة للمحكمة العليا بحكم الظروف السائدة في المجتمع الإسرائيلي راهناً، والتي حسمت فيها الغلبة لمصلحة اليمين الديني والقومي. ورغم أن المحكمة العليا كانت، ولا تزال، بين ألد الخصوم في نظر اليمين الديني إلا أنها شكلت في نظر اليمين القومي مرجع صيانة الصيغة الديموقراطية للحكم التي تحفظ لإسرائيل مكانة في المعسكر الغربي.

والواقع أن قرار طال الذي تم سنه قبل حوالى عشر سنوات، بعد صراعات داخلية ومداولات مكثفة عبرت عن موازين القوى المستجدة في الساحة السياسية، منح طلاب المدارس الدينية اليهودية الفرصة للتهرب من الجيش. وفي عهد سريان هذا القانون انتقل عديد المتهربين من الخدمة من بضعة آلاف إلى ما يزيد عن 60 ألفاً مما أظهر تمييزاً فاضحاً في تقاسم الأعباء في الدولة العبرية. وزاد الطين بلة أن طلاب المدارس الدينية ممن لا يخدمون في الجيش ينالون من الدولة، لأسباب اجتماعية وائتلافية، مزايا على شكل مساعدات عائلية وتسهيلات في السكن. ودفع هذا الواقع العديد من القوى السياسية، خصوصا في اليسار، لكن أيضا في اليمين القومي العلماني، مثل حزب إسرائيل بيتنا، إلى شن الحملات على قانون طال واعتباره شارة تمييز ضد الشباب غير المتدين.

وكثيراً من أجرى طلاب المدارس الثانوية الذين على وشك الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية تظاهرات ضد الحريديم الذين لا يشاركون في تحمل العبء العسكري. ومع مرور الوقت واستفحال ظاهرة تهرب طلاب المدارس الدينية من الخدمة تزايدت أعداد المحتجين على هذه الظاهرة. ومما زاد الطين بلة أن اتساع عديد الشرائح الحريدية في المجتمع وتزايد الاحتكاكات بين الحريديم وعامة الناس في الأحياء المشتركة أو حتى في المدن المغلقة قاد إلى انعكاس هذه المسألة على العلاقات في الجيش وفي وسائل المواصلات العامة بل وفي اللافتات الإعلانية على الطرق وفي وسائل الإعلام.

وفي كل الأحوال هناك نوع من الإجماع على أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي اعتبرت قانون طال غير دستوري، لأنه لا يستند إلى أسس المساواة بين المواطنين وحددت معايير لاستبداله منحت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فرصة. غير أن أحداً لا يعلم إذا كان بوسع نتنياهو استغلالها وكيف سيعمل في الظروف الراهنة.

فإذا كان يحمل برنامجاً مدنياً، وهو ما لم يوح به أبداً، فيمكن له أن يستغل القرار للتحالف مع القوى المدنية الأخرى للتوافق على حكومة يمكنها أن تمرر قانوناً يحقق المساواة ويجعل تقاسم الأعباء أكثر نزاهة. ولكن نتنياهو الذي يركز على الأيديولوجيا السياسية يصعب عليه التخلي عن حلفائه في اليمين الديني، خصوصاً في حركة شاس والأحزاب الحريدية، وهم من يوفرون له هامش تأييد واسعاً في سياسته المناهضة لفكرة التسوية السياسية مع الفلسطينيين. غير أن توسّع الشرخ بين المتدينين والعلمانيين في المجتمع الإسرائيلي يلزم نتنياهو بنوع من الحسم أو على الأقل يضعه في خندق تصادم ما مع الطرفين.

فمن ناحية ومع اشتداد الحديث عن انتخابات مبكرة تجد قوى عدة في إسرائيل في التصدي للحريديم ومناهضة الإكراه الديني عنواناً لحملتها الانتخابية. ومن ناحية أخرى ونظراً لأن الخدمة العسكرية في إسرائيل شكلت ضمن النظرة الصهيونية بوتقة الانصهار لمختلف الجاليات فإن استمرار وتعزيز انفصال الحريديم عن المجتمع توفر أساساً لنقض الفكرة الصهيونية. وهكذا نجد تعاظم التطرف العلماني في مناهضة التطرف الديني كما حدث في تسيير بلدية تل أبيب لحافلات عامة أيام السبت، خلافاً لما كان معمولاً به منذ إعلان الدولة اليهودية من احترام المؤسسات العامة لحرمة يوم السبت.

كما أن اقتراح زعيمة المعارضة تسيبي ليفني مؤخراً بفرض عقوبة السجن لخمس سنوات على من يرفض أداء الخدمة العسكرية أو الخدمة الوطنية المدنية على أن يسري ذلك أيضاً على الحريديم والعرب لخلق مساواة في تقاسم الأعباء والحقوق والواجبات. ومن المفترض أن يشكل هذا الموقف أساس برنامج انتخابي لزعيمة كديما ليس في الانتخابات التمهيدية في حزبها وإنما أيضاً في الانتخابات العامة الإسرائيلية.

ومعلوم أن الحزب أو القائمة التي سيطلقها الإعلامي يائير لبيد تستند إلى برنامج علماني يكرر الموقف الذي اتخذه والده، يوسي لبيد، عند تشكيله حركة شينوي الجديدة قبل حوالى عقدين من الزمن. ومن الجلي أن الموقف من الحريديم سوف يتفاقم خلال الأشهر القليلة المقبلة التي يغدو لزامياً فيها على الحكومة أن تجد بديلاً لقانون طال.

ولكن ورغم الانشغال العلماني الواسع في إسرائيل بقرار المحكمة العليا بخصوص قانون طال إلا أن المتدينين في إسرائيل ليسوا على القدر نفسه من الانشغال. وهم على ما يبدو على ثقة من أن حجمهم في الحلبة السياسية وظروف نتنياهو واليمين القومي عموماً لا تسمح لأحد بأن يذهب بعيداً في قضية كهذه. فالحريديم في إسرائيل باتوا شريحة كبيرة من المجتمع يصعب على أي قوة سياسية القفز عنهم.

ومن شبه المؤكد أن أحداً في الحكومة الإسرائيلية لا يمكنه اتخاذ قرار بجر طلاب المدارس الدينية إلى الخدمة العسكرية بالقوة. ولذلك يؤمن زعيم حركة شاس، إيلي يشاي، مثلاً، أن قانون طال سوف يتم التمديد له لعام جديد حتى يتم وضع قانون طال جديد لن يختلف كثيراً عن القانون القائم.

السفير، 4/3/2012

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات