السبت 10/مايو/2025

البحث عن صيغة تفاوضية جديدة

البحث عن صيغة تفاوضية جديدة

هل يملك الفلسطينيون و”الإسرائيليون” الإعلان رسمياً أن المفاوضات ومعها خيار السلام قد فشل، ولا مجال للعودة ثانية إلى التفاوض، لأن كل طرف لم يعد قادراً على الحصول على ما يريد عبر التفاوض من الطرف الآخر، وخصوصاً الجانب الفلسطيني الذي مازالت أرضه تحت الاحتلال “الإسرائيلي”، وأنه بالتالي غير قادر على إقامة دولته؟
وعلى الرغم من فشل المفاوضات على مدار السنوات الماضية لم يتحقق على الأرض إلا القليل الذي لم يضمن كحد أدنى قيام الدولة الفلسطينية. وباستقراء العملية التفاوضية يمكن القول إن الفشل له مظهران أو أكثر، المظهر الأول أن المفاوضات في سنواتها الطويلة لم تنجح في الوصول إلى صيغة أو أسس لعملية تفاوضية ناجحة، ومن مظاهر الفشل في المرحلة الأولى عدم قيام الدولة الفلسطينية على الرغم من أنه كان مقرراً لها العام 1999، ومن مظاهر الفشل أيضاً استمرار “إسرائيل” في عمليات البناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية، وتنامي التوجهات المتشددة والرافضة لأي تسوية سياسية، وتمدد قيم العنف والكراهية والحقد والقتل، وصولاً إلى درجات التطرف والتشدد بالاعتداء على المساجد، وحرقها، وقيم الرفض لوجود الآخر، والرغبة في القتل، وبدلاً من ترسيخ قيم السلام والتعايش والتسامح والقبول، وبناء إجراءات من الثقة، بدلاً من كل ذلك شنت “إسرائيل” الحرب على غزة، وعمدت إلى مصادرة الأرض وتوسيع رقعة الاستيطان والتهويد.
هذه بعض مظاهر الفشل في مرحلة التفاوض الأولى. والشكل الثاني للفشل هو التوجه من جديد نحو إحياء خيارات الحرب والتصعيد العسكري، علماً أن خيار الحرب قد أثبت وبشكل قاطع فشله في حسم الصراع، بل نذهب أبعد من ذلك إلى القول، إن خيار الحرب وفي ظل تغير موازين القوى، وتطور القدرات العسكرية لكل الأطراف، سيقود إلى نتائج كارثية على مستقبل “إسرائيل”، وحتى على مستقبل القضية والشعب الفلسطيني، وقد يُدخل المنطقة في مرحلة من انفلات العنف غير المسبوق الذي سيطال كل مصالح الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، وستكون النتيجة حتماً صفرية لدى كل الأطراف.
لكن في الوقت ذاته، لا يمكن الاستمرار في مفاوضات تدور في حلقة مفرغة، لأن من شأنها أن تقود إلى خيارات العنف والتصعيد العسكري وتنامي توجهات التشدد والرفض التي بدأت تسيطر وتفرض نفسها على بنية الحكم والسلطة لدى جميع الأطراف. وإذا كانت المفاوضات والسلام خياراً حتمياً ولا بد منه، فكيف يمكن البحث عن صيغة تفاوضية جديدة تضمن على أقل تقدير الحيلولة دون تنامي قيم الرفض والتشدد والعنف والخيارات العسكرية؟
بداية، لا بد من إعادة السؤال: هل “إسرائيل” تريد السلام أم لا؟ والسؤال قد يوجه جميع الأطراف الأخرى. وتستند فرضية البحث عن صيغة تفاوضية جديدة من منطلق أنه إذا كان الطرفان الفلسطيني و”الإسرائيلي” غير قادرين على الاستمرار في المفاوضات لقناعة كل منهما بعدم القدرة على تقديم تنازلات أخرى، فمن الضروري البحث عن صيغة ومعادلة جديدة للتفاوض تضمن استمرارية المفاوضات وفقاً لمرجعية واضحة، وآليات تنفيذ محددة، وفترة زمنية محددة ليست طويلة.
وتضمن أيضاً تحديداً محدّداً لمهام كل طرف في هذه المعادلة. وحيث إن المفاوضات المباشرة لم تعد قائمة، أو يصعب استمرارها، فليس مهماً شكل التفاوض بقدر الاستمرار في التفاوضات بأي آليات. ومن هذه الآليات التفاوض بالوكالة عن الطرفين المباشرين، وهنا قد يأتي الدور الأردني ودور جامعة الدول العربية عن طريق لجنة المتابعة، ودور اللجنة الرباعية لغياب الدور الأمريكي في سنة الانتخابات. وتقوم هذه الأطراف بشكل مباشر بالتفاوض بين الطرفين على قضايا التفاوض وصولاً إلى حلول مشتركة توافقية وإطار عام يحكم العملية التفاوضية، وبناء على هذه المرحلة التي يفترض أن تكون محكومة بسقف زمني محدد لا يزيد على هذا العام، ثم يأتي الدور الفلسطيني “والإسرائيلي” للمرحلة النهائية لصياغة شكل اتفاق ما، حتى يأخذ صورة المسؤولية المباشرة.
وهكذا، فإن الصيغة التفاوضية الجديدة تقوم على رؤية سياسية واقتصادية وتنموية وحضارية.
وقد يبدو هذا التصور فيه قدر من المثالية والتخيل السياسي، ولكن هذه المثالية مطلوبة في عالم يسوده الخوف من حرب إقليمية قادمة قد تأخذ في طريقها أي إمكانية للازدهار والأمن، لأنه مع أي حرب ستدخل المنطقة كلها ومعها الأمن والسلام العالمي في نفق من الإرهاب والعنف والقتل الذي لن يتوقف في وقت قصير. ودون إدراك مخاطر الصراع وبدائله سيبقى الفلسطينيون من دون دولة، وستبقى “إسرائيل” من دون أمن وبقاء.
* أكاديمي وكاتب عربي
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات