السبت 10/مايو/2025

فلسطين.. والأمة… وما لابد من قوله!

فلسطين.. والأمة… وما لابد من قوله!

واقع الحال في راهن الساحة الفلسطينية، وما وصلت إليه اليوم قضية قضايا الأمة العربية، قضيتها المركزية في فلسطين، لا يسُّر إلا أعداء لأمة العربية وفلسطين. حال يدعو إلى وقفة مع الذات. لا تحتاج إلى كثيرٍ من التفكُّر، بيد أنها تستوجب ما لابد لنا من قوله…
قد يندر أن نعثر على شعبٍ من شعوب هذه الأرض قد قدَّم من أجل قضيته الوطنية ما قدَّمه الشعب العربي الفلسطيني. وطيلة رحلةٍ مديدةٍ من نضاله الصعب، وعلى مدى عقودٍ قاسيةٍ من العذابات والمعاناة الممتدة لما ينوف على القرن، في مواجهة المستعمرين الغزاة البريطانيين ومن بعدهم الصهاينة، سطَّر هذا الشعب المكافح العنيد ملحمته النضالية الفريدة الحافلة بالبطولات الأسطورية التي قل نظيرها لدى سواه من الشعوب، ولم تتوقف مقاومته يوماً، واستمرت في ظروفٍ قاهرةٍ أقل ما يقال فيها هو انعدام التكافؤ ومالت فيها موازين القوى كلياً لصالح عدوه، حيث ظل يواجه ويصمد، وظهره إلى الحائط، أعتى وأشرس وأبشع صنوف الاستعمار الاستيطاني الاحلالي وأكثرها وحشيةً وبطشاً، ولم تتوقف طيلة صراعه التناحري المزمن هذا وحتى اللحظة قوافل تترى من شهدائه في مسيرته النضالية التي حفلت بمحطاتها العديدة المختلفة، التي تواصلت هبَّات وثورات وانتفاضات. وصمد طيلة كل هذه العقود قابضاً على الجمر عاضاً على الجراح متمسكاً بثوابته النضالية ومسلماته الوطنية، التي كانت لحمتها وسداتها وتظل حقه غير القابل للتصرف في استعادة كامل حقوقه المستلبة المتمثلة في تحرير كامل تراب وطنه التاريخي وطرد الغزاة نهائياً منه والعودة إليه.
وبالتوازي، لم تبخل أمته العربية يوماً… ونحن إذ نتحدث عن الأمة هنا نستثني منها غالب أنظمتها وأغلب نخبها ونقصد فحسب شارعها وعامتها… لم تبخل بدعمها واحتضانها الشعبين لنضاله ما استطاعت، باعتباره، ومن موقعه المتقدم في مواجهة أعدائها، إنما هو يدافع عنها وينوب في المواجهة، بل يمثل رأس حربة كفاحها المفترض المستوجب من أجل تحرير فلسطينها، التي هي مهمتها أولاً وأخيراً وليست مهمة الشعب الفلسطيني وحده ولا هي بمقدوره، أي باعتبار فلسطين كانت وتظل قضيتها المركزية وبوصلة انعتاقها ومعيار تحررها الحقيقي وسبيل وحدتها الغائبة ومؤشر بدء نهوضها المؤجل، وحيث الفلسطينيين ليسوا سوى خندقها المتقدم المديم للاشتباك مع عدوها حتى يحين أوان هذا التحرير واستعادتها لهذا الجزء أو القلب المغتصب من وطنها الكبير. وعرفت ساحات النضال الفلسطيني جميعاً، في مدها وجزرها، ومنذ أن بدأ وفي كل مراحله، القادة والمناضلون العرب من مشارق الأمة ومغاربها، وعلى تراب فلسطين ومن حولها سقطت القوافل من الشهداء العرب وامتزجت دماؤهم الزكية مع الدماء الفلسطينية، كما وتحملت أقطار الأمة المحاذية لفلسطين ما تحملت، وهو ليس بالقليل، في الحروب التي خيضت مع أعدائها… إذن، لم هذا الحال، وما هو مكمن المشكلة؟!
هناك لا ريب العديد من العوامل التي من شأنها أن أوصلت الحال الفلسطينية والقضية الفلسطينية إلى ما هما عليه، بل دفعت القضية على عدالتها وتضحيات شعبها وأمتها في سبيلها إلى ما هو قاب قوسين أو أدنى من مشارف التصفية، ونتحدث هنا عن الذاتي، الفلسطيني والعربي، أو الحال التي شارفت على شبه التسليم الرسمي بضياع فلسطين. بيد أن أهمها، إذ لا تسمح هذه العجالة بتعدادها كلها، مسألتان:
الأولى، هي أن مشكلة الشعب الفلسطيني في مسيرته النضالية كانت دائماً وظلت، وطيلة عقود كفاحه الغنية بتجاربها والحافلة ببطولاتها وانكساراتها، تكمن دائماً في قياداته، التي يجمع الفلسطينيون قبل غيرهم على أنها لم ترتفع يوماً إلى مستوى تضحياته أو ترتقي إلى مستوى قضيته، والتي، ومن أسف، لم يتعلم المحدث اللاحق منها من أخطاء وعثرات السالف أو السابق عليه، أو ينحو إلى المراكمة على ما أنجزه ويحيد عما وقع فيه من هناتٍ وحتى خطايا، في غمار رحلة حافلة من أشكال هذا النضال الثري بما شهدته محطاته العديدة المضيئة منها والمعتمة.
والثانية، إن هذه المشكلة الوطنية هي جزء من مشكلة هي أعم واشمل وامتداد لأخرى هي على الصعيد القومي، أي مشكلة الأمة بكاملها، هذه المتمثلة في أنظمتها القطرية البائسة، التي إما هي عجزت عن التعبير عن توقها وتطلعاتها والانسجام مع روحها وما يعتمل في وجدانها، وإما من سعت جاهدةً إلى توفير كل السبل التي من شأنها أن تكتم أنفاس الأمة وتسهم في تغييبها وتأبيد تخلُّفها والحؤول دون نهوضها. وكذا هو الأمر بالنسبة إلى غالب نخبها التي أقله لم تحسن التعبير عن همومها أو ترتفع إلى مستوى يوازي ما لديها من مخزونٍ كفاحيٍ تليدٍ ومجيدٍ حفل بحوافزه ومحصِّناته الحضارية والثقافية، التي جعلت منها، وعبر تاريخها العريق، فريدةً بين الأمم من حيث كونها قد شكَّلت مدرسةً دائمةً للشهادة في سبيل قيمها وكرامتها وسِفراً خالداً من الإباء للضيم والرفض للاستكانة أو الخضوع .
واقع الساحة الفلسطينية في راهنها المتردي، وحال الساحات العربية، على الرغم من كل هذه الإرهاصات الثورية الواعدة التي تتبدى في التحولات الجارية ومخاضاتها العسيرة التي تعتمل صاخبةً في ساحات انتفاضاتها المستعرة، يؤكد على ما سبق وأن ذهبنا إليه ولا ينفيه… مصالحات التكاذب الفلسطيني الفلسطيني تتواصل مسلسلات عروضها التي شابهت حكاياتها المبتذلة حكاية “إبريق الزيت” الشعبية، ومازالت الساحة العربية، أنظمة،ً ونخباً، و”ميادين” منتفضةٍ، تفتقر جميعها قولاً وفعلاً إلى ما يذكّرنا بأن قضية فلسطين مازالت هي القضية المركزية للأمة… آن الآوان للاعتراف بأن كافة الأشكال النضالية التي جربها الشعب الفلسطيني على مدار ما ينوف على القرن قد فشلت وشاخت أدواتها الماثلة المتبقية وعجز محدثها المستجد عن تدارك ما عجز عنه قديمها المهترئ، ولابد لشعبٍ مكافح مثل الشعب الفلسطيني من ابتكار أشكاله النضالية الجديدة المناسبة وهو أهل لذلك… كما آن للعرب جميعاً أن يدركوا أن بوصلتهم هي فلسطين، التي بدونها لا من سبيل لهذه الأمة كفيل بأن يؤدي بمسيرتها إلى منشود انعتاقها ومطمح تحررها الحقيقي وتقدمها، أو استعادها لمكانتها وكرامتها ومأمول نهضتها.
كاتب فلسطيني
صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات