الخميس 08/مايو/2025

هجوم إسرائيلي في واشنطن

هجوم إسرائيلي في واشنطن

بالأمس كان إيهود باراك، واليوم شمعون بيريز، وغداً بنيامين نتنياهو، هذا هو مشهد الحضور “الإسرائيلي” هذه الأيام في العاصمة الأمريكية واشنطن.
وزير الدفاع “الإسرائيلي” باراك زار الأسبوع المنصرم واشنطن بعد أقل من شهر على زيارة التقى خلالها رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي الجنرال مارتين ديمبسي وغيره من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، في ما شمل جدول لقائه في الزيارة الأخيرة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الدفاع ليون بانيتا ومستشار الأمن القومي توم دانيلون ومدير المخابرات، وبعد أن أنهى زيارته أطلع نتنياهو على نتائج لقائه.
الرئيس “الإسرائيلي” بيريز ورئيس وزرائها نتنياهو يزوران واشنطن أيضاً، الأول سيلقي خطاباً في المؤتمر السنوي الذي تعقده لجنة الشؤون العامة “الإسرائيلية”  الأمريكية “إيباك”، وفي اليوم الثاني سيلقي الثاني خطاباً أمام المؤتمر ذاته.
الرئيس الأمريكي سيجتمع إلى بيريز ونتنياهو على الطريقة الأمريكية، إذ يلتقي الأول اليوم (الأحد)، ويلتقي الثاني غداً (الاثنين).
في النظرة العامة تصير هذه الزيارة واللقاءات في سياق العلاقات الأمريكية  “الإسرائيلية”، وهي فعلاً كذلك، لكن ما هو لافت ليس تواصل الزيارات واللقاءات الأمريكية  “الإسرائيلية”، بل في كونها تزايدت منذ أشهر ويقوم بها مسؤولون رفيعو المستوى، بخاصة في المجالات العسكرية والأمنية والقضايا الاستراتيجية، وهو أمر يصفه مراقبون بالقول إنها زيارات “لم تشهد العلاقات الأمريكية  “الإسرائيلية” مثيلاً لها منذ سنوات عدة، فيما وصفها السفير الأمريكي في “تل أبيب” دان سابيروب ب”غير المسبوقة” بقوله: “إن توالي الزيارات الثنائية وزيادة عددها في هذه المرحلة أمر غير مسبوق”.
بحسب التداولات الإعلامية فإن الموضوع الأبرز في الزيارات واللقاءات الأمريكية  “الإسرائيلية” هو البرنامج النووي الإيراني لا في طبيعته ولا في المستوى الذي بلغه، بل في مواجهة هذه القضية التي تعدّها “إسرائيل” مصيرية وتشاطرها الولايات المتحدة هذا الموقف، حيث ذهب من خلاله الرئيس الأمريكي إلى إطلاق تعهده منع إيران المضي ببرنامجها الذي تعدّه من حقها وهي لا تتوقف عن تأكيد طبيعته السلمية.
في هذا الشأن عادت في الآونة الأخيرة حملات التهديد “الإسرائيلية” باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، وفي هذا السياق جرى تسويق سيناريوهات عدة لا تمثل خيارات، وإنما تعكس المأزق، لأن الضغوط والعقوبات على إيران ضاعفت من مضيها في مشروعها، وهذا ما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية عندما قالت إن إيران زادت من قدرتها على تخصيب “اليورانيوم” إلى نسبة 20% متجاهلة المطالب العالمية بالامتناع عن هذا الأمر، فيما إيران لا ترى ذلك من زاويتها، من جراء ازدواجية هذه المطالب مع ما تتعرض له من عقوبات من جهة، وانسداد مسار المفاوضات من جهة ثانية.
السؤال الآن: هل التحرك واللقاءات الأمريكية  “الإسرائيلية” ستذهب إلى نتائج حاسمة وفي أي اتجاه؟
بداية، لابد من الإشارة إلى أن ما يتردد من أن “إسرائيل” تعد لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية دونما تشاور أو إطلاع الجانب الأمريكي عليها غير دقيق، فالطرفان على اتفاق لمواجهة هذا البرنامج في وجوده، واللقاءات والزيارات التي تزايدت محور موضوعاتها هذه القضية، وبات تحرك القطع البحرية الأمريكية العسكرية الضاربة في المنطقة يرتبط بها.
الإشكالية التي تدور حولها هذه اللقاءات والزيارات وعلى هذه المستويات والمرتبطة بالأساس بالجوانب العسكرية والأمنية، أن نتنياهو وأركان إدارته اتخذوا قرارهم، وفي المقابل يتعامل الأمريكيون مع هذا القرار بحساباتهم.
في هذا الشأن تسربت من داخل “إسرائيل” معلومات عن خلافات في هذا القرار، ونسبت صحيفة “هآرتس” إلى شمعون بيريز قوله إنه سيبلغ الرئيس الأمريكي رفضه قيام “إسرائيل” بتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، فيما يضع الجانب الأمريكي أمام “الإسرائيليين” مسائل عدة ستترتب عن هذا العمل، من ذلك ترى إدارة أوباما أن العملية ستكون بمثابة إفساد للحملة الانتخابية التي يقودها أوباما لخوض انتخابات الجولة الرئاسية الثانية، مع الأخذ بالحسبان ردود الفعل الإيرانية على مواقع ومناطق تمركز قواعد أمريكية منتشرة في المنطقة. ودونما الذهاب إلى استنتاج حاسم بما ستكون عليه الأمور، يمكن القول إن الجانب الصهيوني سيكون في حال استثمار رابح لهذا القرار، ومن هذه الزاوية فإن الغائب في الزيارات واللقاءات الأمريكية  “الإسرائيلية” هو أزمة الشرق الأوسط المرتبطة لا بسياسة الكيان الصهيوني فقط، بل وبطبيعة وجوده القائمة على العدوان والاحتلال والاستيطان. غياب هذه القضية جاء نتيجة الاستفراد الأمريكي في شأن وشؤون هذه المنطقة تحت مظلة التسوية الأمريكية التي دارت ازدواجياً كضغط وابتزاز على العرب لحملهم على التنازل إلى مستوى لا شأن لهم في شؤونهم، في مقابل دعم السياسة الصهيونية ليصير الموقف الأمريكي غير متناغم، وحسب هذه السياسة، صار الأمريكيون يتعاملون مع قضية الشعب الفلسطيني على أساس أنها شأن من الشؤون “الإسرائيلية”.
في هذا الشأن لا يحتاج “الإسرائيليون” إلى أوراق اللعبة مع الأمريكيين في ظل إدارة أوباما، لأن أوباما الذي سطع إعلامياً وهو يخوض حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض بما ردد من شعارات جذابة منها ما كان في شأن السلام في الشرق الأوسط، استقر على حقيقته في غضون فترة وجيزة وسقط سقوطاً يمكن وصفه بالتاريخي، فبعد أن تراجع عن توجهاته وتخلى عن مطالبه ومبادراته إعادة إطلاق التسوية السلمية، تجاوب مع ذات السياسة الصهيونية وسجل سابقة في الرئاسة الأمريكية، وهو الآن يخطب ود اللوبي الصهيوني للفوز في انتخابات الجولة الثانية، مع أن هذه الجولة للرئاسة الأمريكية تعرف بفترة تحرر الرئيس من هذا اللوبي، لأن لا مجال أمامه لجولة رئاسية ثالثة.
* كاتب وصحفي يمني
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات