الخميس 08/مايو/2025

إنقاذ القدس وتقسيم العمل

إنقاذ القدس وتقسيم العمل

أمامنا موقفان متضاربان بشأن دعم أهل القدس، الأول تمثل في دعوة الرئيس الفلسطيني للعرب والمسلمين إلى التوجه لزيارة القدس على أساس وجهة نظره القائمة على أن زيارة المدينة المقدسة لا تعني تطبيعاً، لأن زيارة السجين ليست تطبيعاً مع السجان، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أوصانا بشد الرحال إليها وإلى المسجد الأقصى. وهذا في تقديري، موقف عملي يضع المصلحة أولاً ويستهدف توفير حالة من المدد المعنوي والمالي لأهالي القدس من خلال الإنفاق الذي يقوم به الزوار العرب والمسلمون.
أما الموقف الثاني النقيض، فهو موقف التزمته شخصياً والتزم به معظم المثقفين العرب، وهو الذي يرى في الزيارة نوعاً من التطبيع، نظراً لاضطرار الزائر للحصول على تأشيرة دخول من السلطات الإسرائيلية المحتلة. لقد أصدر القرضاوي رداً على دعوة عباس الأخيرة يحرم فيه من وجهة النظر الدينية، زيارة المدينة لغير الفلسطينيين. المشكلة أن رفض زيارة القدس مع دلالته الإيجابية من الناحيتين السياسية والدينية ينطوي بالفعل على عزل أهل القدس نفسياً عن محيطهم العربي والإسلامي، خصوصاً مع ضعف الجهود التي نقوم بها لنجدتهم من الخارج في مواجهة الضغوط الممنهجة التي بدأتها سلطات الاحتلال وجماعات أنصار الهيكل اليهودي منذ وقعت القدس الشرقية تحت الاحتلال عام 1967.
لقد وجهت نداءات عديدة على العقود الثلاثة الماضية في مقالاتي هنا وفي مصر، منبهاً لضراوة الأنشطة الصهيونية التي تقودها منظمة “جوش أمونيم” وغيرها للضغط على أهل القدس وإجبارهم على الرحيل بكافة الأساليب بدءاً من شراء البيوت وتحويلها إلى مدارس دينية وأوكار إرهابية لإزعاج وتخويف العرب والمسلمين، وانتهاءً بالقرارات الصادرة عن حكومة الاحتلال بإبعادهم عن المدينة وهدم بيوتهم. وإذا كان العائد للنداءات وللمؤتمرات والقرارات التي تتخذها عن بعد، مازال ضعيفاً، مقارنة بالحصيلة الضخمة التي تحققها إسرائيل منذ عام 1967، التي وصلت إلى إبعاد أربعة عشر ألفاً من العرب والمسلمين من خلال سحب بطاقات الهوية، وإلى هدم 330 بيتاً في المدينة طبقاً للتقرير الذي أصدرته أخيراً دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، فإن علينا التفكير بطريقة أكثر قدرة على التأثير والحفاظ على المواقف معاً.
أهل القدس يمثلون خط الدفاع الأول الفعال بقدرتهم على التنادي والتجمع والاحتشاد داخل ساحة المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف عند تعرضه لمحاولات الاقتحام من جانب جماعات أنصار الهيكل والجنود الإسرائيليين، وبالتالي فإن وضعهم الاقتصادي الهش نتيجة لسياسات التجويع الإسرائيلية، هو ما يجب أن نركز عليه جنباً إلى جنب مع تحريك مجلس الأمن والقوى الدولية، طبقاً للاقتراح المقدم من أمير قطر الذي يقضي بالتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جميع الإجراءات، التي اتخذتها إسرائيل منذ عام 1967 في القدس بقصد طمس معالمها الإسلامية والعربية.
السوال هنا هو: هل نستطيع توفير الدعم الاقتصادي والمالي عن بعد لأهل القدس، أم أن هذا الأمر محاط بتعقيدات وصعوبات تخلقها سلطات الاحتلال لمنع هذا الدعم؟ الإجابة التي يملكها السياسيون العرب، هي التي ستحدد مدى حاجة أهل القدس إلى توفير الزيارات الجماعية من الدول العربية والإسلامية، كقناة لتعزيز اقتصادهم وتجارتهم، وبالتالي تثبيتهم في مواجهة الضغوط الإسرائيلية.
أرجو أن يصارحنا السياسيون العرب في مؤتمر القمة العربية المقبل خلال أسابيع بالإجابة، فإذا تبين أن هناك عقبات تحول دون إيصال الدعم الاقتصادي الرسمي العربي إلى أهل القدس المرابطين، فإنه لن يكون أمامنا سوى طريق تقسيم العمل بحيث تتولى جمعيات أهلية عربية تنشأ لإنقاذ القدس خصيصاً مسألة توفير المدد المالي عن طريق الرحلات لمواطنين مدركين لرسالة هذه الرحلات، في حين يتولى المسؤولون الرسميون مسؤولية تحريك مجلس الأمن والمجتمع الدولي، ويتولى آخرون تحفيز الهمم نحو تضافر جهود الأمة العربية والإسلامية.
أستاذ الدراسات العبرية – جامعة عين شمس
صحيفة الاتحاد الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات