السبت 10/مايو/2025

جمعة الأقصى

جمعة الأقصى

كان يوم الجمعة حزيناً والقلب منقبضاً على ما يتجاوز الحد الذي اعتدنا عليه. في حالتنا، حالة من هم مثلنا كبسطاء، يكون الهم بمثابة خبز يومي. لكن بعض الأيام تزداد وطأة الهموم فيه، بالبعدين الشخصي والعام، وهذا العام يشمل الوطني والقومي والإنساني.

تهرب من دوار الفكر إلى شاشة التلفاز وتأخذ قراراً باستحضار كل ما راكمته من مخزون اليقظة، وتشغيل أدوات الفلترة لئلا تقع فريسة لعدوان الصوت والصورة. دخان كثيف يلف الدنيا كلها.

أينما نظرت في هذه القرية الصغيرة التي اسمها الكرة الأرضية تجد موتاً ودماراً، قليله في سياق ما وكثيرة لا سياق له ولا معنى ولا هدف اللهم إلا لإشباع نهم من تملكّهم الغرور برؤية غيرهم يغرقون في برك الدم أو يئنون تحت وطأة القهر والفقر وبؤس الحال.

الجمعة الماضي كانت يوماً مقدسياً بنكهة الغاز وقنابل الصوت والهراوات وبساطير الاحتلال التي دنّست باحة المسجد الأقصى. هذا المكان المقدس الذي انفرد في تكريس جمعته بدموع أسالتها الغازات الخانقة المدمعة، لكن أحداً من أمة المليارين لم يتجمل عليه بجمعة تحمل اسمه ولو من باب رفع العتب أو المزايدة، أو حتى استخدام المعلن لما هو مبطّن.

لا يظنن أحد أن القدس إذا غابت عن نشرات الأخبار تغيب عن مخططات التهويد الحاضرة دائماً في أذهان وبرامج الصهاينة. إن لم يكن اقتحاماً وهراوات وغازات، فالحفريات تأكل ما تحت الأرض تهيئة للهدف الأكبر المتمثّل بانهيار المسجد الأقصى الذي بات معلّقاً في الهواء.

يسأل الطفل الصغير بعدما أغلق كتابه على درس عن القدس ومكانتها واحتضانها أولى القبلتين وثالث الحرمين: ألا تخشى “إسرائيل” من ملياري عربي ومسلم؟. لكن الإجابة ليست في مصلحة الوعي الغض المتشكّل في عقل الطفل.

من الخطر أن يسمع إجابة تفيد بأن مقولة “أولى القبلتين وثالث الحرمين” أصبحت مجاورة ل “بلاد العرب أوطاني” في متحف المقولات المجففة التي لم يبق منها سوى ما يخدم بقاء حركات وأحزاب الأنظمة على قيد التضليل والمتاجرة.

عذراً أيها الحرم الإبراهيمي، فالدخان المتصاعد في باحات شقيقك “الأقصى” حجب الرؤية عن الذكرى السنوية الثامنة عشرة للمجزرة. أهل الخليل وحدهم تذكروا مجزرة الخامس والعشرين من فبراير/ شباط 1994 حين نفث الحاقد الصهيوني باروخ غولدشتاين سموم دمويته بالمصلين أثناء صلاة الفجر ذات يوم رمضاني. غولدشتاين هذا، بالمناسبة، طبيب يفترض أنه تعلم دروساً في كيفية إنقاذ حياة الناس، فآثر عنصريته على مهنته الإنسانية، فاستحق من معلميه العنصريين نصباً تذكارياً أصبح محجّاً لأمثاله.

عجيبة “إسرائيل” هذه، تطلق مستوطنيها لتصعيد اقتحاماتهم للأقصى وتصعّد هي قراراتها التهويدية والاستيطانية، ولا تأبه لمؤتمر باسم القدس جرى الاستعداد له منذ أشهر وينعقد اليوم. سيحضر ثلاثمائة وخمسون متحدّثاً لمناقشة ما آل إليه وضع المدينة، وبطبيعة الحال سيكفيهم ما حصل في الأسابيع الأخيرة لكي يجدوا ما يناقشونه بشأنه وما يمكن أن يمنح الخطابات قوة الحجج والمعطيات.

وسينتظر المسجد الأقصى أقصى ما يمكن أن يدلي به أشقاؤه من مواقف، بانتظار أن تحظى قبة الصخرة بجلسة نقاش تحت قبة برلمان عربي أو إسلامي. أما إن كان لدى “إسرائيل” ما تخشاه، فبالتأكيد لديها الكثير لأن الأيام دول وهي تتجه للحظة لا تحظى فيها من ثلاثية الأمس واليوم والغد، سوى بالأمس.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات