الخميس 08/مايو/2025

خضر وحرب الأيام الـ 66

خضر وحرب الأيام الـ 66

اعتدنا كثيراً على استخدام مصطلح حرب الأيام الستة تلك التي تؤرّخ لمسرحية بلا أبطال ولا مخرج ولا كاتب نص، ولم يكن فيها حتى الجندي الصهيوني منتصراً لأن النظام الرسمي العربي لم يكن نداً حقيقياً ليسمح للجانب الصهيوني بالخروج من حربه منتصراً، أو فليكن كان المنتصر فيها فائزاً بلا بطولة.

اليوم جاء من يضيف للستة أيام ستين يوماً أخرى جعلته بطلاً حقيقياً وقف أمام كل جبروت الاحتلال وجلاديه المدججين حد التخمة بوسائل القمع والقهر. حرب دامت ستة وستين يوماً، كان سلاح خضر عدنان فيها أمعاء أضربت عن الزاد بلا مزايدة، وإرادة أشعلت الشارع الفلسطيني وأشعرت الاحتلال بأن ثمة انتفاضة ثالثة تلوح في الأفق.

خضر عدنان.. اسم دخل التاريخ من بوابة الأمعاء الخاوية ومن دون أن يظهر على أي فضائية ليؤشّر بيديه وينمّق المصطلحات. أظهر طيلة حرب الجوع بأن البطل الحقيقي يصمد ولا يساوم، يؤثر القضية المقدّسة على حياته، ويرفع الراية في الزمن الصعب، زمن يقف شاهداً على حلول المساومات مكان المبادئ نصاً وروحاً، وتنتقل فيه الراية من القبضات الصلبة إلى الأيادي المرتجفة المدمنة على التوقيع السري والعلني.

نعم، خضر عدنان يدخل التاريخ بلا زينة أو رتوش أو ألقاب في شريط تحت الصورة يسميه بطلاً عظيماً أو مفكّراً عربياً كبيراً أو محللاً استراتيجياً يسلّم القط مفتاح القرار. دخل ساحة الوغى فارساً يتحدى الجحافل بسلاح لا يملك أعداؤه ما يوقفه أو ينتصر عليه. فارس وصل صداه كل أرجاء الكون، فجمع في شخصه البطل والحدث وانفجار الضمير في وجه محتل بلا ضمير. أوصل صرخته مباشرة للآذان التي لا تريد أن تسمع. أسمع العالم كله أناته بلا وسيط أو شاهد عيان، وكان سيف أمعائه أصدق إنباء من الكتب والكتبة.

سأل سائل: هل انتصر خضر عدنان وقد خسر من وزنه أربعين كيلوغراماً؟ ورد آخر بسؤال استنكاري: وهل هذا يحتاج إلى سؤال؟ نعم كل شيء في بلادنا يحتاج إلى سؤال وأجوبة، فهناك من حسموا أمرهم وقرروا شن الحرب على كل انتصار يحققه عربي أمام كيان يريدوننا أن نبقى ننظر له للأبد أنه لا يقهر.

نعم، انتصرت إرادة عدنان على سياط الجلادين وركعوا أمام عنفوانه عندما تعهّدوا إطلاق سراحه في يوم الأسير الفلسطيني. نعم، نجح في الظفر بحريته حتى لو بعد بضعة أسابيع، ونجح في وضع الاعتقال الإداري على فالق زلزالي يموج تحت أقدام الاحتلال. لن يعود هذا الاعتقال بعد اليوم مجرد قرار يوقّعه ضابط منطقة. سيفكّر الاحتلال كثيراً قبل أن يعتقل المناضلين وفق هذا القانون الانتدابي الأسود المعادي لكل شرائع الأرض والسماء، وسيعيد النظر في هذا المنهج قبل أن يخرج له المئات من خضر عدنان.

نعم، انتصر هذا الأسير الأعزل إلا من شموخه وإبائه في تحريك المياه الراكدة، وذكّر العالم بأن الكيان الغاصب ما زال هنا. إنه بطل فتح بآلامه آمالاً وبإضرابه ضروباً للكرامة. يستحق كل تحية من كل ضمير حي، مثلما يستحقّها كل الشرفاء الذين تضامنوا معه، فلسطينيين وعرب وأمميين، وفي المقدمة منهم المغني الأسترالي الكبير مارك ماغواين الذي قال له ولنا مما أنشد: “تستحق الحياة أن تضحي بحياتك من أجلها”. قال ابن القارة الخضراء ما لم تقله جامعة العرب.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات