كامب ديفيد في عهد الإخوان

أصاب رئيس حزب الحرية والعدالة المصري محمد مرسي كبد الحقيقة حين أعلن أن اتفاقية كامب ديفيد هي جزء من العلاقات المصرية الأمريكية، وليست مجرد علاقة ثنائية أو اتفاق ثنائي بين القاهرة وتل أبيب.
وما ينطبق على كامب ديفيد ينسحب على المعاهدة الأردنية “الإسرائيلية”، وهذا ما يفسر بالدرجة الأولى “رسوخ” هاتين الاتفاقيتين حتى الآن، ويسترعي الانتباه أن حزب الإخوان المسلمين في مصر، بات يحذر واشنطن من أن إقدام الجانب الأمريكي على أية مراجعة للعلاقات الثنائية بين واشنطن والقاهرة سوف يؤدي إلى إعادة النظر في كامب ديفيد.
ومناسبة هذا التصريح الحملة الأمريكية على القاهرة بعد إغلاق مقار 43 جمعية اتهمت بتلقي تمويل أجنبي بصورة غير مشروعة. هذه الاتهامات سوف يبت بها القضاء وهي ليست حكماً مبرماً، وقد كان لبعض هذه الجمعيات دور مشهود في ثورة 25 يناير التي صعد بموجبها الإخوان المسلمون إلى أكثرية مجلس الشعب والشورى، ومن المنتظر أن يصعد هؤلاء إلى السلطة التنفيذية مع مطلع الصيف المقبل.
على أن مدار الحديث في هذا المقال لا يدور عن هذه التفاصيل الداخلية وهي على جانب كبير من الأهمية، وإنما عن تموضع مصر الإقليمي في المرحلة القريبة المقبلة. لقد ذكر زعيم الأغلبية البرلمانية في التصريحات المنشورة الخميس الماضي 16 فبراير/ شباط الجاري، أن حزبه “يريد لمسيرة السلام أن تستمر بما يحقق مصلحة الشعب المصري”. وهو تصريح لا يجانبه الذكاء، فمصر في عهدها الجديد تريد للمساعدات الأمريكية أن تتواصل (مليار وثلاثمئة مليون دولار سنوياً)، وأن تستمر معها “مسيرة السلام” مع إضافة “مصلحة الشعب المصري”، وهذه إضافة مهمة تضيف عنصراً ثالثاً لمنظومة، كامب ديفيد والعلاقات المصرية الأمريكية. ولا يخال المرء أن هذه الإضافة هي مجرد ديباجة لفظية. فمناط الموقف من هذه المنظومة هو المصلحة الوطنية المصرية التي يتعين أن تؤخذ في الاعتبار الأول.
وإذا كان من حق الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً مناوئاً لحملة المجلس العسكري، وعلى الخصوص من توقيف 19 أمريكياً في القاهرة، وذلك التزاماً بما تراه واشنطن مصلحة قومية أمريكية ونصرة لعدد من مواطنيها، فإن مصلحة مصر في عهدها الجديد تكمن بأن ترفع عالياً مصلحة الوطن والشعب، وأن تجعل هذا المعيار هو وحدة القياس في التعامل مع الاتفاقيات المبرمة، وفي بناء علاقاتها الدولية بما في ذلك مع الدولة العظمى.
لقد بدت كامب ديفيد في محطات مختلفة وطوال فترة مديدة، قيداً على النفوذ الإقليمي لمصر وعلى حضورها في المنطقة، بينما بقي الطرف الآخر مطلق اليدين في سلوكه التوسعي والعدواني، ثم تفاقم الأمر إلى استهداف جنود مصريين على أرضهم وداخل حدودهم، وقد وقعت مثل هذه التعديات الجسيمة بعد الثورة المصرية، بينما تنصلت واشنطن على الدوام من التزاماتها حيال “مسيرة السلام” وعلى نحو بدا فيه إن واشنطن تستغل العلاقات مع القاهرة أبشع استغلال، وذلك بالإيحاء بأن العلاقات مع أكبر الدول العربية، لا تحمل واشنطن على اتخاذ مواقف موضوعية نزيهة، وأن التحالف مع الاحتلال “الإسرائيلي” هو ما يحتل فقط الأولوية المطلقة، وأن على القاهرة التزام موقف المراقب المحايد، وأن تعدّ سلامها مع تل أبيب هو “السلام العادل الشامل”، وصرف النظر عما يجري في المنطقة بخصوص تطورات الصراع والتسوية الشرق أوسطية.
تهميش الدور المصري، وتسييد الدولة الصهيونية قوّةً إقليمية عظمى في المنطقة تعتمد الخيار العسكري، وعلى حدود مصر، لا يصب بالتأكيد في مصلحة الشعب المصري التي تحدّث عنها القيادي الإخواني محمد مرسي. ومغزى ذلك أن المنظومة بتداعياتها الملموسة منذ أكثر من ثلاثة عقود، تستحق التوقف عندها واستنباط دروسها، وذلك ضمن المراجعة الشاملة لأداء الدولة المصرية في الداخل والخارج. ويحسب المرء أن مسألة محورية كهذه، ستكون في خلفية أي حوار مع واشنطن يجريه إخوان مصر حالياً بصفتهم الحزبية، ثم بصفتهم الركن الأبرز في التشكيلة الحكومية بعد بضعة شهور من الآن.
وإذا كان جل الاهتمام يتركز في هذه الآونة على معالجة التركة الثقيلة للنظام السابق، فلا مندوحة من النظر بعدئذ إلى امتدادات هذه التركة إلى السياسة الخارجية، علماً أن واشنطن ترغب في تجديد شامل يطرأ على الحياة العامة الداخلية، شريطة أن يرافقه جمود كامل على السياسة الخارجية، فيبقى القديم على قدمه وكأن شيئاً لم يتغير على المحروسة.
والحفاظ على تفوقها على جميع دول المنطقة بما في ذلك بالطبع مصر، مع الضغط الشرس على كل من يعترض سواء كان من أهل الربيع أم الخريف على هذا “القدر”.
أمام ذلك فلعله يحسُن بقادة مصر الجدد، التشديد على مصلحة الشعب المصري والمصلحة الوطنية العليا بأكثر من الحديث عن كامب ديفيد ومسيرة السلام، على الأقل، لأن أنهاراً من الحبر لا تقل في مجموع تدفقها عن نهر النيل أهرقت في الحديث عن هذين الأمرين، بينما غابت المصلحة المصرية طويلاً عن الألسن والأقلام والأذهان.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...