الأحد 11/مايو/2025

إبادة من أجل الإنقاذ

إبادة من أجل الإنقاذ

تحوّل أحد المشاهد المأساوية في الحرب الفيتنامية إلى عار على القرن العشرين، وإلى عَوْرة أخلاقية لحضارة لم يبالغ من قال يومها إنها في طور الاحتضار، فقد أبيدت قرية فيتنامية بكل من فيها تحت شعار أقل ما يوصف به هو سيراليّ، لأن الجنرال الذي أصدر أمر الإبادة قال إنه فعل ذلك من أجل إنقاذ القرية.

وقد لا تكون فلسفة الإبادة من أجل الإنقاذ جديدة، فهي كانت على الدوام من قرائن العصور الغاشمة عندما تصاب القوة بالعمى وتسقط كل الكوابح.

وثمة شعار نازي معروف هو أن الحرب الضارية هي أقصر الطرق المعبّدة إلى تحقيق السلام، ومعنى ذلك أن هذا النمط من السلام يعقد بين منتصر حيّ ومهزوم ميّت. وقد تكرر هذا المشهد خلال الأيام القليلة الماضية في فلسطين، ففي اللحظة ذاتها التي أعلن فيها نتنياهو أسفه على حادث سير ذهب ضحيته عدد من التلاميذ الفلسطينيين، أصدر أمراً بقتل أطفال في غزة ولسوء حظه فقد أصاب القصف الذي أمر به سيارة إسعاف تنقل مرضى، وهذا ما ذكّرنا على الفور بكاريكاتير للشهيد ناجي العلي، صور فيه جرحى داخل عربة إسعاف يترجلون من السيارة كي يدفعوها بأيديهم وهي تنزف لأنها أصيبت بقذيفة، فكيف يصدق العالم أن اليد التي تضغط على الزناد هي ذاتها التي تضمد الجراح؟ اللهم إلا إذا أصبح من المألوف للقاتل أن يمشي في جنازة المقتول من دون أن يعترضه أحد..

وما نشرته “هآرتس” في أعقاب حادث السير يشكل فضيحة إنسانية وسياسية وأخلاقية لمن يزعمون بأنهم متحضرون ويحاربون الإرهاب، فقد نشرت تعليقات منها أن هذا الحادث هو نبأ سار لأنه سيقلّل من عدد الفلسطينيين، ومنها أيضاً أن القدر يتحالف مع الاحتلال، وإذا عرفنا السبب فقد يبطل العجب، فهؤلاء لابد أنهم رضعوا الحليب السام من غولدمائير التي قالت ذات يوم بالحرف الواحد، إنها تتمنّى أن تُلاحق آخر امرأة فلسطينية حامل حتى أقصى الأرض لإجهاضها.

تلك هي ثقافة الإبادة من أجل الإغاثة، علينا أن نستبدل بالتاريخ كله خُرافةً صهيونية كي نصدّق أن نتنياهو شعر بالأسى على أطفالٍ عربٍ قضوا إثر حادث سير، والإحصاءات عن قتل الأطفال بالصواريخ وتحويل مهودهم إلى توابيت إضافة إلى ضحايا الحصار، تعد استثنائية وقياسية حتى بمعيار الجرائم ضد الإنسانية، وقد شاهد العالم مراراً جنازات لأطفال وضعت على توابيتهم زجاجات الحليب التي كانوا يرضعون منها بعد أن جف الزرع والضرع، ولكي يكتمل المشهد بكل دمويته ومفارقاته، تزامن بكاء التمساح مع تلك الغارة على غزة التي أصابت عربة إسعاف بمن فيها.

وقد يكون القويّ المستبد محظوظاً بأعدائه إذا كانوا ضعفاء، لكنه ليس محظوظاً على الإطلاق بما يصدر عنه من مواقف متناقضة، فالقاتل لا يحق له أن يصعد إلى منصة القضاء، والحرامي لن يكون حامياً.

وقد يكون من حق ذوي هؤلاء الأطفال الذين قضوا في حادث سير أن يُفسّروا أسف نتنياهو لأن أبناءهم ماتوا بغير رصاص جيشه ولم يقعوا في كمين لمستوطنين، كي تبتسم غولدمائير وهي رميم لأن وصاياها نفذت.

والعالم الذي قرأ ما نشر من تعليقات هؤلاء الذين استقالوا من آدميتهم عليه أن يتصور كيف كانت مواقف هؤلاء من أعاصير وزلازل وكوارث طبيعية أو نووية لحقت بأطفال العالم وخصوصاً في آسيا. إنها تربويات الكراهية بلا حدود، والحقد العابر للأديان والأجناس انسجاماً مع نظرية “الجوييم” أو الأغيار التي ترى بكل من هو ليس يهودياً مجرد حشرة.

نذكر أن بعض الفلاحين الفلسطينيين تمنوا لو أنهم يستطيعون إطفاء الحرائق التي نشبت في غابات أرضهم المحتلة قبل أعوام، وكان الدافع لذلك هو اعتقادهم بأن هذا الشجر زرعه أجدادهم ولا بد للأحفاد ذات عودةٍ ولو طالت، أن يقطفوه.

فإلى متى ستستمر نظرية الإبادة من أجل الإنقاذ؟ وكم قناعاً تبقى ليحجب الوجه القبيح؟

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....