الأحد 11/مايو/2025

يشمتون باحتراق أطفال

يشمتون باحتراق أطفال

“اهدأوا.. هؤلاء أطفال فلسطينيون.. مبارك الرب.. يقل عدد المخربين. والمصابون فقط أطفال فلسطينيون وهم 10 تقريباً.. ليكن في كل يوم حافلة كهذه.. صلّوا ليكون قتلى أكثر وعدداً أقل من مصابين بحالة موت سريري.. أجمل نبأ لبدء نهاية الأسبوع”.

هذا غيض من فيض ما “جادت” به قرائح العنصريين الصهاينة من تعليقات على مقتل عشرات الأطفال الفلسطينيين حرقاً في حافلتهم خلال رحلة مدرسية. هذه التعليقات ومنها الكثير وفيها ما هو أكثر تشفّياً وابتهاجاً برؤية مشهد أطفال أبرياء يحترقون.

تعليقات تصدر عن أناس يفترض أن لديهم حساسيّة خاصّة تجاه أي موت بالحرق، حيث عانى اليهود من المحرقة النازية التي يدينها معظم العرب، ولو أتيح للأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أعمارهم الغضة أن يجيبوا عن سؤال عنها، لأجابوا، بلا تردد، بأنهم يدينونها ويتعاطفون مع ضحاياها أياً كانت جنسياتهم وأديانهم.

عندما تحدّث وزير الصحة الفلسطيني عن منع قوات الاحتلال محاولات إنقاذ الأطفال، شككنا لوهلة أن الوزير قد يكون مبالغاً، لأنه من غير الممكن تصور وجود إنسان على سطح الكوكب الأرضي يمنع مساعدة طفل، فكيف بإنقاذه من الموت حرقاً. لكن تبيّن أن الأمر لم يقف عند حدود منع الإنقاذ، بل تعداه إلى الابتهاج والفرح والتشفي عبر تعليقات علنية على مواقع التواصل الاجتماعي.

أيضاً ظننا في البداية أن التعليقات صادرة عن متطرفين وحاقدين، وهؤلاء موجودون في كل الشعوب والأديان والمذاهب والجنسيات، لكن عندما تصدر تعليقات عنصرية متشفيّة من رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو نفسه، فإن في الأمر وقاحة التعبير عن المكنون الحقيقي والثقافة العنصرية بلا زينة أو رتوش.

لا نفترض أصلاً بزعيم صهيوني أو منتمٍ لحزب صهيوني أن يتبنى موقفاً غير هذا تجاه الفلسطيني والعربي، سواء كان طفلاً أو شيخاً أو امرأة، فالعديد من مسؤوليهم وحاخاماتهم يدعون ليلاً نهاراً لقتل العربي ويصفونه بأقذع الأوصاف التي ينطبق عليها القول “الإناء ينضح بما فيه”، وهم يجاهرون بأن العربي الجيّد هو العربي الميّت، لكن الرجل الأول الذي يتشفى باحتراق أطفال ويتمنى على صفحته أن يرسل “شاحنة أخرى للقضاء عليهم جميعا”، يتحدّث عن السلام ويدعو السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات معه، في امتهان لكرامة العقل البشري واستهبال للإنسانية كلها، فهل يقبل مسؤول فلسطيني أن يجلس معه على طاولة؟.

ذات يوم من عام 1992، سأل المحقّق “الإسرائيلي” فلسطينياً: هل تعرف ماذا حصل اليوم؟ ظن الفلسطيني أن المحقق يسأل عن ذكرى معيّنة، حيث إن المحقق يعرف أن المعتقل الفلسطيني يكون معزولاً عن العالم. وبما أن ذلك اليوم كان التاسع من مارس/آذار، فقد رد الفلسطيني: اليوم ذكرى استشهاد محمد الأسود “جيفارا غزة”، فهز المحقق رأسه قائلاً: لا، اليوم مات مناحيم بيغن. وبعد أن صمت الفلسطيني سأله المحقق: هل أفرحك الخبر؟ نظر المعتقل الفلسطيني بوجهه بازدراء وقال: نحن لا نفرح عندما يموت عدونا مرضاً أو في حادث سير، لا نفرح للموت الطبيعي ولا نتشفى. 

لو كان هذا الحادث ضحاياه أطفال يهود، لما ترددت الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في التعبير عن حزنها. ولو تصادف الحادث مع مرور فلسطينيين لهبوا للإنقاذ والمساعدة والمخاطرة بأرواحهم لإنقاذ أطفال أبرياء. فالفلسطينيون يخوضون نضالاً إنسانياً بامتياز وليسوا انتقاميين ولا عنصريين، لكن شاعراً بقامة الراحل توفيق زيّاد يعبر عن ثقافتهم إذ يقول: سأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلاً باكياً يضحك وأعطي نصفه الثاني لأحمي زهرة خضراءَ أن تهلك.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات