إعلان الدوحة وسياسة الانتظار

تعد مواجهة الظروف المجافية، برنامجاً وممارسة، شرطاً لازماً لتجنب الوقوع في الانتظارية السياسية التي تحصد بالنتيجة، بمعزل عن النوايا، تعطيلاً لتأثير الفعل السياسي الواعي القادر على تمكين حركات التحرر الوطني، من حشد القوى، داخلياً وخارجياً، خلف برنامجها، بما يسهم في تغيير ميزان القوى، بتدرج، لمصلحتها، وينقل، بتراكم، هدفها المأمول من الإمكانية النظرية المجردة إلى الإمكانية الواقعية. وهذا ما لا يجيز لقيادة حركة تحرر وطني جادة، تحويل سياسة تقطيع الوقت إلى استراتيجية، وإن كان من الصائب، (أحياناً)، ممارستها كتكتيك مؤقت ومدروس، يخدم الاستراتيجية ولا ينتهكها.
واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، ورغم تباين الشعارات، فإن ثمة في الممارسة السياسة لقيادتي منظمة التحرير و”حماس” على حدٍ سواء، غرقاً في انتهاج سياسة الانتظار وتقطيع الوقت، ما يحيل إلى تمسكهما معاً ب”سلطة انتقالية” محدودة ومقيدة بالتزامات سياسية واقتصادية وأمنية ثقيلة، بعد تقاسمهما لصلاحياتهما الوهمية، وإلى إحجامهما، كل لأسبابه، عن تقديم إجابة استراتيجية جادة وشافية عن سؤال مفصلي لم يعد هنالك مفرَّ منه، جوهره: متى، وكيف، يتم القطع مع “المرحلة الانتقالية” لاتفاقيات “أوسلو” الفاشلة؟
وإلا ما معنى توافقهما على تخريجة تولي الرئيس الفلسطيني رئاسة حكومة “تكنوقراطية” انتقالية، تنضبط لسياسة قيادة منظمة التحرير وما يمليها عليها اتفاق أوسلو المُوقَّع باسمها من التزامات معروفة، ويناط بها إعادة إعمار غزة، وإعادة تجديد شرعية “السلطة الفلسطينية”، عبر الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية و”تشريعية” لها، يعي الطرفان قبل، وأكثر، من غيرهما، حقيقة أن ليس ثمة إمكانية لإجرائها من دون موافقة “إسرائيلية” لها اشتراطاتها وأهدافها، ما يفسِّر توافق طرفي “إعلان الدوحة” على عدم تحديد موعد محدد لإجراء هذه الانتخابات، مع ما ينطوي عليه ذلك من ترجيح لاحتمال إطالة عمر هذه “الحكومة الانتقالية”، وبالتالي مواصلة “لعبة” سياسة الانتظار.
ولعل الأوضح في التدليل على تمسكِ طرفي “إعلان الدوحة” بهذه “السلطة” الوهمية وتركيزهما عليها أكثر من غيرها، يتمثل في التراجع عن نص أساسي في “اتفاق المصالحة” في مايو/ أيار 2011، وهو الداعي إلى إجراء انتخابات لمجلس وطني جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية في الوطن والشتات، واستبدال نصٍ به يقضي بإعادة تشكيله، أي بتقاسم عضويته بالتوافق، وأيضاً دون تحديد موعد محدد لذلك.
يكشف ما تقدم عن توافق بين قيادتي منظمة التحرير و”حماس” على مواصلة سياسة الانتظار، وتقطيع الوقت، والدوران في الحلقة المفرغة ل”السلطة الانتقالية”، عبر تجديد شرعيتها الانتخابية، “رئاسة” و”تشريعاً”. وللحق فإن هذه السياسة قد ظلت بمثابة سمة غالبة للممارسة السياسية للقيادات الفلسطينية بعامة، ولقطبيها الأساسيين، “فتح” و”حماس”، بخاصة، منذ اتفاق “أوسلو” العام 1993، ونشوء “السلطة الفلسطينية” بموجبه العام ،1994 وحتى اليوم، اللهم باستثناء المبادرة لإطلاق انتفاضة الأقصى العام 2000، كفعل ميداني لم يتكلل بالاتفاق، أو التوافق، على برنامج سياسي وطني موحَّد وموحِّد، ما قاد إلى وقوع هذا الفعل الميداني الشعبي الهائل في أتون أشكال وأشكال من الإرباك والارتباك، هي حصيلة منطقية لتعدد المرجعيات والبرامج والأجندات السياسية، بكل ما بينها من خلافات واختلافات، كان مفجِّرها الأساس التباين السياسي على اتفاق “أوسلو”، سياسة ونتائج، لكنه لم يعد كذلك بالنسبة ل”حماس” كطرف ناهَضَ هذا الاتفاق يوم توقيعه، وبدقة أكثر لم يعد كذلك بالنسبة إليها كلياً وتماماً، منذ قررت الخوض في الاقتتال الداخلي على “السلطة” الناشئة بموجبه، بل، واقتسامها لصلاحياتها مع “فتح” بحسمٍ عسكري أقدمت عليه في غزة العام 2007.
لم تكن هذه النتيجة مقطوعة عن مقدماتها، حيث لم يركز الحوار الوطني وإعلاناته المتكررة على البحث الجاد في سؤال ما العمل مع “السلطة الفلسطينية الانتقالية”، بدءاً بإعلان القاهرة 2005، الذي أعقب انطفاء انتفاضة الأقصى بالاجتياح “الإسرائيلي” للضفة، وتدمير غزة، العام 2002، مروراً بإعلان اتفاق مكة العام 2007، الذي أعقب بداية الاقتتال الداخلي على “السلطة الفلسطينية” بعد فوز “حماس” بنتائج انتخاباتها “التشريعية”، تعريجاً على إعلان اتفاق المصالحة العام 2011، الذي جاء ليعالج الانقسام الداخلي، وصولاً إلى إعلان توافق “الدوحة” العام 2012، الذي كان من المفترض أن يذلل مصاعب تنفيذ كافة بنود “اتفاق المصالحة”، غير أنه اقتصر على تذليل الخلافات على بند تشكيل “حكومة انتقالية” ب”تخريجة” تولي الرئيس الفلسطيني مسؤولية رئاستها، ما يعني توافقَ طرفي الانقسام الداخلي، كل لأسبابه، على تشاطر الدوران في سياسة الانتظار وتقطيع الوقت والإحجام عن تقديم الإجابات الاستراتيجية الجادة والشافية للهم الوطني العام.
والأنكى أن يسهم متغير الحراك الشعبي العربي، (في مصر وسوريا بخاصة)، في مضاعفة غرق السياسة الفلسطينية، بقطبيها المتناحرين، في سياسة الانتظار هذه وإطالة عمرها، بدل أن يسهم في الحفز على الخروج منها، وهو ما لا يكون إلا من خلال الاتفاق على برنامج سياسي وطني بديل واحد وموحِّد، يجيب أساساً عن سؤال متى وكيف يمكن القطع مع مرحلة “سلطة أوسلو” الانتقالية، الذي لا يعني بالضرورة حلها، بل، تغيير وظيفتها، من خلال فك التعاقد السياسي الذي قامت عليه، والتحلل من الالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية التي يفرضها، خاصة في ظل مضاعفة رفضِ “إسرائيل” النظام، وليس الحكومات فقط، لتسوية سياسية متوازنة، (فضلاً عن عادلة)، للقضية الفلسطينية، وزيادة عداء الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والإقليميين لعدالة هذه القضية، وثبوت فشل رهان أن تفضي “السلطة الفلسطينية الانتقالية” الناشئة عن انحناءة “أوسلو”، إلى ولادة دولة فلسطينية مستقلة، ولو على الأراضي المحتلة العام 1967، ذلك بسبب أن “إسرائيل” تمترست، (متسلحة بميزان قوى مائل لمصلحتها)، وانتهجت، بدعم أمريكي، استراتيجية تفاوضية، اسمها الحراك في الشكل مع الحفاظ على المضمون، بينما استعجلت القيادة الفلسطينية، وانتهجت استراتيجية تقديم أوراق قوتها مسبقاً، ما قاد إلى تكبيلها، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وبالتالي إلى ما تعيشه اليوم، إنما هي ومعارضوها، من دوران في حلقة مفرغة، اسمها سياسة الانتظار وتقطيع الوقت.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...