لا أجنحة في الليكود

مثلما كان متوقعاً فاز بنيامين نتنياهو بزعامة الليكود. مرشحان اثنان تنافسا على المنصب. نتنياهو خاض السباق مع موشيه فيجلين وهو مستوطن في إحدى مستوطنات الضفة الغربية. الغريب أن تحليلات وتعليقات كثيرة بعد الانتخاب وصفت فيجلين بأنه زعيم الجناح المتشدد في الحزب! هذه القضية تطرح سؤالاً إذا كان وصف نتنياهو يعتبر معتدلاً مقارنة مع المرشح الآخر فكيف يكون التشدد؟.

في حقيقة الأمر، ما من فروق جوهرية بين المرشحيْن فكلاهما يميني متشدد إن بالنسبة لرؤية التسوية مع الفلسطينيين والعرب أو بالنسبة للموقف العقيدي منهم. لقد سبق لنتنياهو أن عبّر عن موقفه منهم من خلال ما ورد في مؤلفه “مكان تحت الشمس” عن العرب فهو يقول: “العرب لا ينصاعون إلا للغة القوة”. بمعنى آخر فإن نتنياهو يراهم كمخلوقات غير بشرية يأتون فقط “بالضرب على رؤوسهم” وينطلق من نظرة استعلائية فوقية شوفينية عنصرية تماماً مثل أشد الحاخامات تطرفاً في مواقفه سواء من الفلسطينيين (الذين هم عرب بالطبع ولكن يأتي ذكرهم للتخصيص بسبب قضيتهم) والعرب.

قلنا في مقالة سابقة عن رئيس الوزراء الصهيوني الحالي “بأنه الأدق تعبيراً في السياسات عن فكر الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل” ولكن وبحكم موقعه كسياسي وكزعيم إسرائيلي وكرئيس للوزراء اضطراراً إلى استعمال التعابير المخفّفة كيلا يجري التسجيل عليه دولياً بأنه “عنصري” رغم أنه وفي سياساته الفعلية ينطلق من أقصى اليمين المتشدد والأشد تطرفاً في الدولة الصهيونية، لذلك يبدو لمن لا يعرف حقيقته أو لا يدركها بأنه “حمامة سلام”، أي أنه يمتلك قبضة حديدية ولكن يغطيها بقفازات حريرية ناعمة الملمس.

في زمن حكومة نتنياهو يجري المزيد من التعنت تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية وهو الذي يقود ائتلافاً حكومياً مع أشد أحزاب التطرف في “إسرائيل” وهي الأحزاب اليمينية والفاشية، وهو الذي في جوهره يتفق معها قلباً وقالباً. في زمنه تم فرض أكثر كم من القوانين العنصرية تجاه فلسطينيي 1948 في الكيان الصهيوني. نتنياهو يمتلك تكتيكياً سياسياً يتمثل في فرض المزيد من الشروط على الفلسطينيين والعرب لإفشال أية تسويات عادلة معهم (فلو استجابوا لشرطه بالاعتراف بيهودية إسرائيل فسيأتي بشرط جديد) سوى الحكم الذاتي الهزيل على القضايا الحياتية للسكان المجرد والمنزوع من أية مظاهر سياسية.

في زمن نتنياهو فإن الاستيطان (والمزيد من الاستيطان وبخاصة في القدس وحدودها) يجري على قدم وساق، وكأن “إسرائيل” في سباق مع الزمن. كل ذلك بالطبع من أجل فرض الوقائع على الأرض. أما وجهة نظر الليكود من القدس وحدود عام 1967 ومن الأمن الإسرائيلي ومن حق عودة اللاجئين فهي معروفة وتتمثل في أن على الفلسطينيين الرضوخ لمتطلبات الأمن الإسرائيلي، بالأمس فقط (31 يناير الماضي) كذّب نتنياهو ما نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية (هآرتس) عن (قبول إسرائيل لمراقبين عسكريين يتواجدون في منطقة غور الأردن بدلاً من وجود الجيش الإسرائيلي في حالة قيام دولة فلسطينية) قائلاً:”متطلبات الأمن الإسرائيلي تقتضي وجود الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة ولا صحة لقبولنا بتواجد مراقبين فقط”.

نتنياهو هو أحد أشد الإسرائيليين تطرفاً في التخلص من العرب في منطقة 48، وفي تشجيع هجرة المزيد من اليهود إلى الكيان الصهيوني، وهو يعتبر”أن الأردن جرى اقتطاعه من أرض إسرائيل الموعودة” وهو من أصحاب نظرية “دولة إسرائيل الكبرى” بمعنى آخر يود القول:” إذا أراد الفلسطينيون إقامة دولة لهم فليقيموها في الأردن، وسيعتبر ذلك تنازلاً إسرائيلياً”.

لا فروق بين المرشح فيجين وبنيامين نتنياهو سوى تلك التي ذكرناها وبالفعل لو وجد الأول فروقاً حقيقية لانشق عن الليكود ولأسس حزباً خاصاً به، ولكن لأن نتنياهو يعبّر عن وجهة نظره تماماً، فهو باقٍ في هذا الحزب. يتوقع المراقبون أن يقوم نتنياهو بخطوة أخرى وهي: تقريب موعد الانتخابات التشريعية للكنيست قبل موعدها (المقرر في عام 2013) وبخاصة وأن كافة استطلاعات الرأي تبين أن حزبه سيعزز من تواجده في البرلمان الإسرائيلي الأمر الذي يدلل على أن التصور بوجود أجنحة في الليكود هو محض خيال ووهم!.

كاتب فلسطيني

صحيفة الوطن العمانية