الإثنين 12/مايو/2025

تهجير قسري تصاعدي

تهجير قسري تصاعدي

التصعيد الخطر الذي حمله العام الماضي، على يدي قوة الاحتلال “الإسرائيلية” تجاه الفلسطينيين، لا يشي إلا بزيادة الوتيرة هذا العام، خصوصاً أن الأرقام تتحدث عن ذاتها في هذا المجال، وتحديداً في إطار استمرار الكيان في مخططات التهجير القسري للمرابطين في بيوتهم وأراضيهم المهددة بالسلب والتدمير، لمصلحة التوسع الاستعماري، ومخططات إحلال للمتطرفين اليمينيين من المستعمرين، مكان أصحاب الأرض الشرعيين، المدان في كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية.

التقرير الأخير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي حمل عنوان “تدمير المنازل والنزوح القسري في الضفة الغربية المحتلة”، لا يخرج في ما كشفه عن سياق هذه الحملة العدوانية الممنهجة، فالكيان الذي استثمر العام الماضي على الوجه الأمثل لضرب أي مقومات لتقرير الشعب الفلسطيني مصيره، فواصل بناء الجدران، وتدمير المنازل وتشريد الفلسطينيين، وسلب أراضيهم لإقامة البؤر الاستعمارية عليها، وواصل مخططات التهويد في القدس المحتلة، وزاد من وتيرة حصار الفلسطينيين في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والمعيشية، هذا الكيان المتربص شراً بالشعب الفلسطيني وأرضه سيصعّد الهجمة بالتأكيد، كونه لا يجد رادعاً دولياً، ولا وحدة فلسطينية داخلية، أو موقفاً صلباً إزاء مسار التسوية.

ماذا كشفت الأمم المتحدة ومكتبها الخاص بالشؤون الإنسانية في التقرير؟ لقد وضعنا أمام أرقام مرعبة عن هذه الهجمة الاحتلالية المنسّقة، والمتزامنة مع هجوم واسع، إذ أكد أن 1100 فلسطيني، أكثر من نصفهم أطفال، شردوا بسبب هدم الاحتلال منازلهم خلال العام الماضي، بزيادة قدّرها بأكثر من 80% عن عام 2010. وبالأرقام ذكر أن قوات الاحتلال دمرت 622 مبنى بينها منازل ومزارع ومدارس ومساجد، بزيادة 42% عن العام الذي سبقه، وأن 60% من هذه الأبنية في مناطق قرر الاحتلال التوسع الاستعماري فيها.

والاحتلال المستمر في اختراع أنواع جديدة من الجرائم والانتهاكات بحق الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم المشروعة، لن يُعدم حجة ولا ذريعة، لتقديمها للمجتمع الدولي، في سياق تبرير هذه الحملة العدوانية، بل على العكس من ذلك، يطلق اللسان لحديث ممجوج عن عدم حصول الأبنية على ما تسمى “تراخيص”، أو “تصاريح” للبناء، هي آخر ما يمكن أن يمنحه الاحتلال، بشهادة المنظمة الأممية، التي ذكر مكتب شؤونها الإنسانية أن حصول الفلسطينيين على تلك التصاريح شبه مستحيل، مشيراً إلى أن نحو 93100 مواطن فلسطيني يعيشون في مبان “من دون ترخيص” من الاحتلال مهددون بالإجلاء القسري.

أمام هذه الأرقام لم يكن أمام هذا المكتب الحقوقي الأممي إلا أن يدعو “إسرائيل” كقوة احتلال للأرض الفلسطينية، إلى الالتزام بحماية المدنيين الفلسطينيين، كون القانون الدولي يحظر الإجلاء القسري أو إبعاد المدنيين وتدمير الممتلكات الخاصة، ووقف عمليات هدم المنازل والمباني المدنية على الفور. كأن الكيان سيرتعد خوفاً ويسارع إلى تلبية هذه المناشدة القاصرة، التي لن تقدّم أكثر من مؤشر بالغ الوضوح على تراجع المجتمع الدولي المتواصل أمام الاحتلال، واستمراره في بيع المواقف اللفظية للشعب الفلسطيني الواقع تحت حراب الاحتلال والتهويد والتهجير والتدمير والضم والتوسع الاستعماري، وغيرها.

أية تسوية “ممكنة” في ظل هذه المعطيات التي تبرز يومياً، على الحديث عن استئناف مشروط لهذه العملية، سواء كان في البداية بشرط وقف الاستعمار، أو من ثم بشرط تحديد حدود الدولة الفلسطينية، يجب ألا تكون تكتيكاً تفاوضياً، ولا استراتيجية لصانعي القرار. الاستراتيجية بعيدة المدى الآن، والتكتيك المرحلي، يفترضان سلوكاً فلسطينياً على النقيض تماماً، يتمثل في تجميد أي تفاوض، يمنح الكيان مسحة شرعية، كلما وصلت الأمور حد الانكشاف الكامل.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات