الأحد 11/مايو/2025

سياسة فلسطينية تُدْعى (سد الذرائع)!

سياسة فلسطينية تُدْعى (سد الذرائع)!

إذا كان “سَدُّ الذرائع” معناهُ “قَفْل باب ما يُتَعَلَّل به” فليس من “مفاوِض سياسي” في العالم، ولا حتى في التاريخ، يضاهي “المفاوِض الفلسطيني” في إصراره على الاستمساك، الذي لا نهاية له في الزمن، بهذا “المبدأ”، الذي إنْ رأيْنا فيه ما يجعله يشبه، ولو قليلًا، مبادئ السياسة (والتفاوض) يظلُّ دخيلًا على السياسة، بمنطقها وعالمها الواقعي؛ ولقد أثبت “المفاوِض الفلسطيني” أنَّه يَفْهَم مبدأ “سَد الذرائع” على أنَّه “السياسة بعينها”، و”سياسته كلها”؛ ولو سُئِلَ عن سبب استمراره في التفاوض (الذي ليس بتفاوض، والذي لا نهاية له في الزمن) مع “نظيره” الإسرائيلي، لأجاب على البديهة قائلًا إنَّ تدمير الذرائع الإسرائيلية، ذريعة ذريعة، وإقناع العالم، من ثمَّ، وزيادته اقتناعًا، بأنَّ إسرائيل لا تريد السلام أبدًا، هو السبب”!

أمَّا لو فَهِمَ “المفاوِض الفلسطيني” مبدأ “سَدِّ الذرائع” على أنَّه قَطْعُ الطريق المؤدِّية إلى الإثم والمعصية، وعَمِلَ بما يُوافِق هذا الفهم، لَقَطَع بنفسه الطريق المؤدِّية إلى هذا التفاوض مع إسرائيل؛ لأنَّها طريق مؤدِّية سياسيًّا إلى ما يشبه الإثم والمعصية بمعنييهما الديني.

المفاوِضان عريقات (الفلسطيني) ومولخو (الإسرائيلي) ما زالا يجتمعان في عمَّان برعاية “اللجنة الرباعية الدولية”؛ وإذا كان من شيءٍ اتَّفقا عليه حتى الآن (ولن يتَّفِقا على غيره مستقبلًا، ومهما اجتمعا) فهذا الشيء إنَّما هو وَصْفُ اجتماعاتهما (التي يختلفان في موعِد انتهائها رسميًّا) بأنَّها ليست “مفاوضات مباشِرة”؛ وإنَّما محاولة جديدة يبذلانها (بدعوةٍ ورعايةٍ وتشجيعٍ من “اللجنة الرباعية”) للاتِّفاق على ما يَسْمَح باستئناف هذه المفاوضات.

وفي هذه المحاولة، التي لن تؤدِّي، هذه المرَّة أيضًا، إلى “نتائج مختلفة”؛ لأنَّ “الأسباب لم تختلف”، يُقَدِّم كلا الطرفين ما لديه من اقتراحات وأفكار وآراء في مسألتي “الحدود” و”الأمن”، فإذا وَجَدا، أو إذا وُجِدَ، أنَّ “الفَرْق” قد تضاءل بما يجعل استئناف المفاوضات المباشرة أمْرًا ممكنًا، استأنفاها، أو استؤنِفَت.

وقدَّمت إسرائيل، عَبْر مفاوضها مولخو، “وثيقة (في هذا الشأن) من 21 بندًا”؛ لكنَّ هذه البنود، وعلى كثرتها، تتفرَّع جميعًا من أربعة مبادئ، إنْ صَلُحَت لشيء فلا تَصْلُح إلاَّ إلى جَعْل، أو إبقاء، “التفاوض”، فاقِدًا معناه ومنطقه، مع الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية له في الزمن.

وهذه المبادئ هي: “ضَم المستوطنات الكبيرة، في الضفة الغربية، والأحياء اليهودية، في القدس الشرقية، إلى إقليم دولة إسرائيل”، و”بقاء القدس الشرقية جزءًا من القدس الكبرى، التي تبقى (ولو في معظمها على الأقل) عاصمة أبدية لإسرائيل”، و”تلبية حاجات إسرائيل الأمنية في أجزاء أخرى من أراضي الضفة الغربية، وبما يُفْقِد الدولة الفلسطينية كثيرًا من أوجه ومعاني سيادتها (بَرًّا وجَوًّا وبَحْرًا في الضفة الغربية وقطاع غزة)”، و”جَعْل الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل في صيغة جديدة، تشتمل على كل ما يَضْمَن حلًّا نهائيًّا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في خارج إقليم الدولة اليهودية”.

هذا هو “السلام” الذي يكفي أنْ يرى “المفاوِض الفلسطيني” ملامحه في تلك “الوثيقة” حتى يعود إلى استنتاج ما استنتجه، من قَبْل، غير مرَّة، ألا وهو أنَّ إسرائيل لا تريد السلام؛ وهذا هو “السلام” الذي يكفي أنْ يبدي “المفاوِض الفلسطيني” عجزًا عن قبوله حتى يعود نتنياهو إلى قول ما قاله، من قَبْل، غير مرَّة، ألا وهو إنَّ الفلسطينيين لا يريدون التفاوض؛ فهو يَفْهَم بعض المطالب الفلسطينية، والتي فيها يحاوِل الفلسطينيون جَعْل السلام أقلَّ شَبَهًا بـ”السلام” الذي تريده إسرائيل، على أنَّها دليلٌ على أنَّ الفلسطينيين لا يريدون التفاوض.

من قَبْل، أيْ قَبْل “الربيع العربي”، كان “الاستيطان” هو الميزان الذي تَزِن به إسرائيل مبادرات السلام جميعًا؛ فلا وزن لأيِّ مبادرة إنْ هي تضمَّنت ما يناقِض مصالحها وأهدافها الاستيطانية؛ أمَّا الآن فلا ميزان لديها أهم من “ميزان الأمن”؛ فلتَقِفوا بأنفسكم على ما للسلام من فُرَصٍ حقيقية وواقعية في آخر ما أدلى به نتنياهو من أقوال وآراء.

تدرَّج نتنياهو في أقواله وآرائه المنافية للسلام، فقال: “الأمن (أيْ أمن إسرائيل، وكما يراه هو) هو شرط للسلام (مع الفلسطينيين). وهذا الشرط (أيْ الأمن) هو الآن أهم من السلام نفسه. الربيع العربي جَعَل إسرائيل عُرْضَةً لمخاطر أكثر؛ وهذه الحال (السيئة من وجهة نظر الأمن الإسرائيلي) قد تستمر سنوات عدة؛ وينبغي لإسرائيل، من ثمَّ، أنْ تُنْفِق مزيدًا من الأموال لزيادة قواها العسكرية من دفاعية وهجومية. مصر الآن ليست مصر التي عرفناها في عهد مبارك؛ وهذا ما يَجْعَل “إسرائيل” عُرْضَةً لمزيدٍ من المخاطر الأمنية. الاتفاقيات (أيْ اتفاقيات السلام) هي شيء جميل؛ لكنَّ الواقع (العربي الجديد) يجعلنا ننظر إلى الأمن (الإسرائيلي) على أنَّه شيء أهم من السلام (مع الفلسطينيين الذين رفضوا في السنوات الثلاث الأخيرة التفاوض معنا، ظانِّين أنَّ في مقدورهم فَرْض شروطهم علينا)”.

هذا هو وزن السلام بميزان نتنياهو في عهد “الربيع العربي”؛ فأين هي الحكمة السياسية (الفلسطينية والعربية) في عقد اجتماعات، يُقَدِّم فيها كلا الطرفين آراءه ووجهات نظره، توصُّلًا إلى استئناف مفاوضات لن يصلا من طريقها إلاَّ إلى النتيجة نفسها، وهي اقتناع الفلسطينيين أكثر بأنَّ إسرائيل لا تريد السلام، واقتناع إسرائيل أكثر بأنَّ الفلسطينيين لا يريدون التفاوض!

إنَّ سياسة “سَدِّ الذرائع”، التي يواظِب عليها “المفاوِض الفلسطيني”، لن تَصْنَع سلامًا؛ فهي بحدِّ ذاتها ذريعة مفاوِضٍ ضَعُف، وأضْعَف نفسه بنفسه حتى ظُنَّ أنَّ له مصلحة في الضَّعْف!

كاتب فلسطيني – الأردن

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات