السبت 10/مايو/2025

دموع إسرائيلية على أرمن تركيا!

دموع إسرائيلية على أرمن تركيا!

إنَّها المهزلة بعينها، والوقاحة بعينها، أنْ تَكْتَشِف “إسرائيل”، الآن، حيث الأزمة في علاقتها بتركيا أردوغان تشتد وتعنف، أنَّ الشعب الأرمني قد تعرَّض إلى الإبادة، إبَّان الحرب العالمية الأولى، على أيدي الأتراك؛ ولقد شرعت “لجنة التربية والتعليم” في الكنيست تبحث اقتراح أنْ تعترف “إسرائيل” بـ”حقيقة” أنَّ الأرمن قد تعرَّضوا لهذه الإبادة.

ويحقُّ للبرلمان التركي الآن، وعلى ما أرى، أنْ يبحث اقتراح أنْ تُعامِل تركيا “إسرائيل” على أنَّها دولة ارتكبت جريمة الإبادة في حقِّ الشعب الفلسطيني، وأنْ تُنْكِر الرواية الإسرائيلية لـ”الهولوكوست”، من غير أنْ تُنْكِر “الهولوكوست” نفسه.

إننا ضد النازية، وضد الفاشية، وضد كل شوفينية، ولا نقف مع هتلر ضد اليهود، فاليهود بصفة كونهم جماعة دينية ليسوا بعدوٍّ لنا حتى نقف مع هتلر عملا بمقولة “عدو عدوي صديقي”؛ وإنَّنا لا ننكر “الهولوكوست”؛ ولكننا نُنْكِر، وينبغي لنا أن نُنْكِر، الرواية المغرضة، والتي فيها يدعوننا إلى تصديق زعم يشبه لجهة تهافته المنطقي زعما من قبيل أن الأرض أكبر حجماً من الشمس، فاليهود الذين هلكوا في “الهولوكوست” الحقيقي الواقعي لا يعدون بالملايين، وإنما بالآلاف؛ وهؤلاء، وبحسب شهادة الحقائق التاريخية التي لم تفسدها الأغراض السياسية الكامنة في الرواية، لم يهلكوا في غرف الغاز، التي لم يكن لها من وجود، ولم يكونوا إلا نزرا من ضحايا النازية؛ ولقد كان عددهم، بشهادة التاريخ والوقائع التي لا ريب فيها، ولا ينكرها إلا ذوو الأفق اليهودي الضيق، أقل بكثير من عدد ضحايا النازية التلمودية (أي الصهيونية) من الفلسطينيين، الذين، على ما نعلم، لا يمكن اتهامهم أبدًا بأنهم كانوا شريكا لهتلر في الجرائم التي ارتكبها في حق بعض من يهود العالم.

“الهولوكوست” الحقيقي إنما هو ما تعرَّض له الفلسطينيون على أيدي النازيين التلموديين وحلفائهم في الغرب، وفي مقدمهم تلك الإمبراطورية التي ما كانت تغيب عنها الشمس، والتي بفضل وزير خارجيتها بلفور اتحدت خرافة الوعد الرباني لإبرام العبراني بالمصالح الإمبريالية والاستعمارية لبريطانيا، فكانت العاقبة هي تلك الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني.

ولو كان ممكنا أن تُشتق السياسة في الغرب من كل ما هو منزَّه عن المصالح والأهداف الإمبريالية لنطق الساسة هناك بالحقيقة التي لا تشوبها خرافة وهي أنَّ معسكر الاعتقال النازي الشهير “آوشفيتز” لا يقع في جنوب بولندا وإنما في جنوب إسرائيل، أي في قطاع غزة.

إسرائيل التلمودية اتخذت، ذات مرَّة، من الكوميدي ليؤور شلاين لسانا لها لترد الصاع صاعين لمنكري “الهولوكوست” من مسيحيي العالم؛ وكأنَّها لم تسمع أن الفاتيكان قرر، أخيرا، أنَّ “من ينكر محرقة اليهود (الهولوكوست) ينكر الله”.

حتى زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر لمعسكر “آوشفيتز” النازي، والتي أنكر في خلالها كل إنكار لما أسماه “حقيقة مأساة ملايين اليهود”.. وحتى قرار المجمع الفاتيكاني الثاني تبرئة اليهود من تهمة قتل المسيح، لم تشفع له، ولا للفاتيكان، ولا لمئات الملايين من المؤمنين المسيحيين في كل أنحاء العالم، فجوهر الإيمان الديني المسيحي مسخته دولة التلمود، بعنصريه “الميشناه” و”الجمارا”، عبر البرنامج الهزلي، الذي بثته القناة العاشرة، والذي قال فيه معد البرنامج ليؤور شلاين: “المسيحية تنكر الهولوكوست؛ ولقد قررتُ أن أرد لها الصاع صاعين..”.

تجرؤ البابا على مساواة إنكار “الهولوكوست” بإنكار الله، مع كل ما قاله وفعله الفاتيكان توصلًا إلى مصالحة تاريخية بين المسيحية واليهودية، لم يغفر له، ولا للفاتيكان، “الإثم الأعظم”، بحسب وجهة نظر ممثلي “دولة العهد القديم”، وهو قرار الكنيسة الكاثوليكية رفع عقوبة الحرمان الكنسي عن الأسقف الجريء ريتشارد ويليامسون الذي أنكر “الهولوكوست” إذ قال للتلفزيون السويدي: “غرف الغاز لم يكن لها من وجود؛ واليهود الذين هلكوا في معسكرات الاعتقال النازية لم يزد عددهم عن 300 ألف شخص”.

“المأساة”.. مأساتنا، ومأساة “العقل” معنا، لَمْ تبدأ في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1917. لقد بدأت إذ أصبح لبريطانيا (ولقوى دولية أخْرى) مصلحة في إقناع نفسها، وإقناع العالَم، بأنَّ ما جاء في “سِفْر التكوين”، و”سِفْر الخروج”، هو الحقيقة التي لا ريب فيها، وليس بأسطورة من أساطير الأوَّلين، وهل غير المصالح ما يُسوِّل للمرء أن يناصِب بديهية العداء؟!

“إسرائيل” التلمودية تروي لنا وكأنَّنا قوم من الأغبياء قصة “السماء وأرض الميعاد”، وتُشنِّف آذاننا بكلام عن “وطن الأجداد” و”الوطن القومي التاريخي للشعب اليهودي” وعن “التنازل المؤلم عن جزء (عزيز) من هذا الوطن للشعب الفلسطيني (الذي سكنه من غير وجه حق)” وعن “التاريخ المشوَّه وغير المشوَّه” وعن “الشعب اليهودي الذي لم يكن بعودته إلى موطنه مُحْتَلًّا أجنبيًّا كالمُحْتَل البريطاني للهند والبلجيكي للكونجو”.

لقد قرأنا في القرن العشرين قصة “شعب” باد، عِرْقاً، منذ آلاف السنين، وإن بقيت ديانته حيَّة، ينتمي إليها أفراد وجماعات من أعراق وأجناس وقوميات أخرى. وعاينَّا وعانيْنا المفارقة التاريخية الآتية: شعبٌ أصبح في وجوده العرقي والقومي جزءا من الماضي، والماضي البعيد؛ لكنَّ “حقوقه القومية والتاريخية” تُبْعَث حيَّة، وتُتَرْجَم، بعد وبفضل وعد بلفور، بوطن ودولة، هما ثمرة اغتصاب وطن لشعب آخر، وثمرة ذبح وتشريد لهذا الشعب.

مَنْ ليس له، في الشرعية الدولية وفي قرارات الأمم المتحدة، حقَّا في العودة (إلى فلسطين) يعود، أمَّا مَنْ له، في تلك الشرعية، وفي تلك القرارات، هذا الحق فلا يعود، ويُمْنَع من العودة بطرائق وذرائع شتى.

*كاتب فلسطيني – الأردن

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات