سيلفا كير يتهوّد سياسياً

مثلما كان متوقعاً، قام سيلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان بزيارة رسمية إلى “إسرائيل”، وهذه تعد الزيارة الأولى له على صعيد المنطقة، اختار “إسرائيل” ليعلن عن سعادته في زيارة الدولة الصهيونية، وليجدد شكره لها من خلال القول “إنني منفعل جداً من أن تطأ قدماي أرض الميعاد، وشعبي كل شعب السودان يشكر “إسرائيل” التي دعمتنا دائماً، فمن دونكم ما كنا لنقوم، لقد كافحتم إلى جانبنا من أجل إقامة دولة جنوب السودان، ونحن معنيون بتعلّم تجاربكم”. 

هذا القول من رئيس الجمهورية التي انفصلت عن السودان، يكشف وبلا أدنى شك المخطط “الإسرائيلي” لتفتيت الدول العربية واحدة بعد الأخرى، فبعد السودان ربما بعض الدول العربية قد تتعرض أيضاً للتقسيم، ف”إسرائيل” تخطط منذ زمن لتفتيت العراق، مستغلة وجودها الكثيف في منطقة الحكم الذاتي الكردية في شماله.

تصريحات كير تكشف أيضاً طبيعة التحالفات السياسية التي ستقيمها جنوب السودان، وتحديداً مع “إسرائيل” والولايات المتحدة والدول الغربية، وليس مع الدول العربية، وستُعدّ منذ الآن قاعدة استراتيجية لأمريكا و”إسرائيل” في إفريقيا، فقد صدر بيان بعد مباحثات كير مع نتنياهو جاء فيه وبالنص: “إن وفداً “إسرائيلياً” سيتوجه إلى جنوب السودان للبحث في كيفية مساعدتها على بناء البنية التحتية ومعالجة المياه والتكنولوجيا المتطورة”.

بالطبع يرد إلى الأذهان والحالة هذه، “أزمة استغلال مياه النيل” بين مصر والسودان من جهة، وبين بعض الدول الإفريقية الأخرى التي تنبع مياه النيل في أراضيها، وأيضاً تلك التي يمر منها النهر، ومحاصرة هذه الدول لمصر والسودان مائياً من خلال بناء السدود لتحويل مياه النيل في إثيوبيا وأوغندا والآن جنوب السودان.

التحالف الاستراتيجي الذي اتفق عليه كير مع نتنياهو، سيلحق ضرراً كبيراً بالأمن القومي العربي برمته، وسيعدّ نقطة ارتكاز جديدة للدولة الصهيونية التي طالما خططت وحلمت بمثل هذا النفوذ في إفريقيا، وبخاصة بعد أن كان محظوراً عليها ذلك في المرحلة الناصرية، فقد كانت البلدان الإفريقية كافة آنذاك تدين الوجود “الإسرائيلي” نفسه، ومن ثم تدين احتلال الدولة الصهيونية للأراضي العربية في العام ،1967 وكانت أيضاً نصيراً مهماً للقضية الفلسطينية وللقضايا العربية والآن “إسرائيل” ترتع في إفريقيا ولها علاقات مع أغلبية الدول الإفريقية. هذه الصورة تحمل في طياتها إجمالاً: تقصيراً عربياً تجاه أقطار القارة السوداء، فلو كانت هناك خطة عربية سياسية، اقتصادية، استثمارية لدولنا في إفريقيا، لما تمكنت “إسرائيل” بهذه السهولة من غزو تلك البلدان، ونسج أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع معظم دولها.

كل هذه العلاقات هي على حساب العلاقات العربية – الإفريقية التي كان يمكن أن تكون في أفضل حالاتها، والآن فإن دولة جنوب السودان ستنضم إلى قائمة تلك الدول من حيث العلاقة مع الدولة الصهيونية. للأسف حرصت بعض الدول العربية على إقامة أفضل العلاقات مع جون قرنق (سلفْ كير) إلى الحد الذي وصلت فيه هذه العلاقة إلى مراحل متطورة، وكان ذلك بدعاوى الوساطة بين الطرفين في محاولة الوصول إلى اتفاقهما.

ربما استطاعت حركة التمرد في جنوب السودان وفي مرحلة ما تغطية أهدافها الانقسامية عن البلد الأم، لكنها في معظم مراحلها أعلنت وبكل الوضوح عن هدفها الاستراتيجي في الانفصال، وتشكيل دولة مستقلة. ومن جانب آخر مدّت الحركة أفضل الخيوط مع الدولة الصهيونية والولايات المتحدة وعموم الدول الغربية إلى الحد الذي كانت فيه “إسرائيل” هي المُسَلح الأول للحركة، وما كانت الدولة الصهيونية لتقوم بهذا الدور إلاّ من خلال التشديد على الحركة بالانفصال وبناء العلاقات معها.

نقول ذلك لدّق ناقوس الخطر، وللتنبيه إلى الأخطار التفتيتية المقبلة التي تحيط ببعض الدول العربية الأخرى وعلى رأسها العراق، فبعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من أراضيه ارتفعت وتيرة الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، الأمر الذي يؤكد أهمية معالجتها قبل فوات الأوان، كي لا نكون أمام دولة جنوب سودان ثانية في المنطقة.

استقبال الدولة الصهيونية لسلفا كير، رغم ما صدر عنه من نتائج، فإنه لم يَخْلُ من عنصرية، فالمفترض أنه رئيس دولة، لكنّ مَنْ استقبله على أرض المطار هو نائب وزير الخارجية داني يعلون وعضو الكنيست العنصري المتطرف داني دنون. كير ابتلع الإهانة وأصرّ على ممارسة طقس “التهوّد” السياسي في “إسرائيل”.

صحيفة الخليج الإماراتية