الأحد 07/يوليو/2024

تقدير وتحليل السياسة الصهيونية مع صفقات التبادل القادمة

تقدير وتحليل السياسة الصهيونية مع صفقات التبادل القادمة

مقدمة

تتعرض “إسرائيل” كل بضع سنوات، لتحدٍ من قبل المنظمات بسبب عملية اختطاف أحد جنودها أو مواطنيها، في عمليات ابتزاز إرهابية، يحتفظ المسلحون خلالها برهائن ويضعون مطالب لإطلاق سراحهم، (تكون مصحوبة أحياناً بإنذار مع تهديد بالقتل إن لم تتم الإستجابة لمطالبهم في غضون فترة زمنية معينة)، وفي معظم الحالات تتضمن المطالب أو تركز على الإفراج عن مسجونين أدينوا وحوكموا بالسجن لفترات اعتقال متفاوتة، وتسعى المنظمات بذلك إلى تحرير أعضائها، وتطعيم صفوفها بمجربين ذوي خبرة، وكذلك لإحراج حكومة العدو، بأنهم يلزمونها بإدارة مفاوضات معهم. وكذلك إخضاع العدو وإذلاله أمام العالم بأسره، والحصول على تغطية إعلامية واسعة جداً، وتثبيط معنويات مواطني دولة العدو، وتعزيز الروح المعنوية لنشطاء المنظمات ومؤيديهم.

إطلاق سراح المدانين في المحكمة قبل أن يقضوا كامل عقوبتهم يشكل مساساً بالأسس الثابتة للقضاء، ومساساً بثقة الناس بإجراءات القانون والقضاء، ويؤدي إلى إحباط وغضب من قبل أفراد عائلات ضحايا العنف وعامة الجمهور، بل وقد يؤدي إلى عمليات عنف مضادة، علاوة على ذلك، فإن المحررين ينضمون بعد إطلاق سراحهم إلى دائرة العنف مرة أخرى، (ووفقاً لرئيس الشاباك يورام كوهين فإن 61% من الأسرى الذين تم تحريرهم عادوا إلى أنشطة معادية بعد الإفراج عنهم، وفي حالات كثيرة، فإن المحررين الذين مروا بعملية إعداد وتأهيل عملي من قبل زملائهم في السجون، يكونوا عند تحريرهم خبراء وأكثر خطورة مما كانوا عند دخولهم السجون، وهؤلاء يشكلون قدوة للمجندين ونشطاء التنظيم، وهم ينضمون إلى جهاز التجنيد والتأهيل في تنظيمهم، وأن عملية الإفراج عنهم ذاتها تنقل رسالة واضحة للآخرين، بأنه حتى لو تم القبض عليهم، بأنه يوجد دليل على أنهم لن يُضطروا إلى قضاء كامل العقوبة التي تفرض عليهم، وأنه إن آجلاً أم عاجلاً سيقوم زملاءهم بالعمل على تحريرهم، وبذلك يتضرر في الواقع مبدأ تأثير ردع العقاب.

عمليات ابتزاز

تنقسم عمليات الإبتزاز إلى نوعين: الأول، عمليات المساومة التي يسيطر خلالها المسلحون على بناية، أو منشأة، أو وسيلة نقل، طائرة أو سفينة، يحتجزون الرهائن ويديرون مفاوضات لتحريرهم.

والثاني، عمليات انتهازية- وهي عمليات يختطف خلالها المسلحون مواطنين أو جنود، وينقلونهم إلى مكان مجهول داخل الدولة أو إلى منطقة أخرى خارجها، ومن ثم يديرون مفاوضات لتحريرهم.

تشكلت في إسرائيل على مر السنين صورة صارمة كدولة لا تهادن ولا تخضع لمطالب العنف، في حالة ابتزاز، إلا أن هذه الصورة أثبتت منذ فترة طويلة بأنها مُضللة، فقد خضعت إسرائيل مرات عديدة لمطالبهم في حالات ابتزاز، وحررت خلال ذلك مئات وآلاف من السجون مقابل تحرير المختطَفين والرهائن الإسرائيليين، وذلك خلافاً لمجالات أخرى من مكافحة الإرهاب، ففي هذا المجال كانت لإسرائيل إستراتيجية معلنة، وإن لم تكن مكتوبة بالضرورة، وقد تم تحديد وصياغة هذه الإستراتيجية على يد رئيس الحكومة الأسبق اسحق رابين،  بينما كان في ولايته الأولى كرئيس للوزراء في السبعينيات، ويرتكز مبدأها على أنه طالما يتوفر خيار السيطرة العسكرية على المخربين، فإنه يفضل هذا الخيار، ولكن إن لم يكن متوفر، فإن الحكومة تدير مفاوضات مع المسلحين، وتكون مستعدة لتلبية مطالبهم مقابل تحرير الرهائن، وأنه تم تبني هذه السياسة من قبل حكومات إسرائيل خلال سنوات عديدة.

يشير تحليل سياسة إسرائيل في مجال عمليات المساومة والإنتهازية، إلى أن إسرائيل استخدمت في الماضي جميع الوسائل الممكنة لوضع حد لهذه الأزمات، بدءاً من استعدادها للإستجابة لمطالب المسلحين، مروراً بممارسة الضغوط المختلفة على المنظمات، ومرسلي خلايا تنفيذ العمليات، والدول التي تدعمهم وتساندهم، وانتهاءً بالسيطرة العسكرية على الخلية المنفذة. عملية الإبتزاز تضع بطبيعتها صانع القرار أمام تحدي متواصل، يتطلب ترتيب مجموعة من الإعتبارات، واتخاذ القرارات التي تنطوي عليها، حسب تأثيرها المباشر والفوري على حياة الإنسان، لكن المعضلة الماثلة أمام متخذ القرارات، هي كيفية تحرير الرهائن دون الخضوع لمطالب المسلحين أو التسبب في وفاة الرهائن، وكيفية القيام بذلك دون الظهور كحكم ضعيف، أو يتصرف بطريقة غير مسؤولة. وهذه المعضلة تتفاقم بسبب ضغط الوقت، وضغط وسائل الإعلام، وضغط الرأي العام . يختار المسلحون عملية المساومة والإبتزاز، لأنه في وضع الإبتزاز، لا تشكل قدرات السلطة والوسائل الكثيرة التي تمتلكها الدولة ميزة أو أفضلية أمام الجهة المبتزة .

وأن القرار الذي يواجه صانع القرارات عند البت فيها يكون من أصعبها وأكثرها إشكالاً في مجال مكافحة العنف، بسبب أن القرار يشكل في الواقع حسماً بين حياة الرهائن وبين حياة من سيصابون مستقبلاً، أي الذين قد يصابون في أعقاب تحرير أسرى. إن هذا القرار يتم اتخاذه بشكل عام تحت ضغط الوقت، وتحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية ، في ظروف شديدة من عدم اليقين، (حول الوضع على الأرض، مقاصد الخاطفين، والقدرة الحقيقية لقوات الأمن)، وإن لم يكن هذا كافياً، فإن نتائج القرار ستُختبر غضون فترة زمنية قصيرة جداً، وستتعرض لانتقاد سلبي أو إيجابي من الجمهور بحسب النتائج.

مثل كل القرارات الأخرى في مجال مكافحة العنف، كذلك الأمر في عمليات الإبتزاز أيضاً (المساومة والإنتهازية): يجب على متخذ القرارات منذ البداية دراسة وتقييم الثمن والفائدة في تفضيل أحد البديلين من بدائل العمل الرئيسية – الإستجابة لمطالب لمسلحين، أو السيطرة عليهم عسكرياً. على سبيل المثال، بين التعليلات النفعية الكامنة في الإستجابة لمطالب الأسرى.

سياسة متخذي القرارات

أحد الأحداث التي تركت بصماتها على السياسة الإسرائيلية في هذا المجال كان في يوم 11/5/1985، والذي تم تسميته “صفقة جبريل”، حيث قام فلسطينيون باختطاف 8 جنود من الجيش الإسرائيلي من أحد المواقع العسكرية في لبنان، وقسموا بينهم “الغنائم”، حيث تم نقل ستة منهم إلى حركة فتح، واثنان للجبهة الشعبية التي يتزعمها أحمد جبريل، وقد تم تحرير الستة في صفقة تبادل أسرى مع حركة فتح في نوفمبر 1983 وتم في إطارها تبديل الجنود بـ 4511 من المخربين والمدنيين اللبنانيين الذين كانت تحتجزهم إسرائيل في لبنان، وفي هذه الصفقة لم يكن مجال للمقارنة النسبية بين عدد المحررين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن تعليل ذلك كان يتمثل في الحاجة والضرورة الملحة بالإفراج عن الإسرائيليين، وكون المخربين المحررين أسرى حرب، وليسوا ممن انخرط في أعمال الإرهاب.

في مقابل الصفقة مع حركة فتح، امتدت المفاوضات بين إسرائيل و”جبهة جبريل” لفترة أطول، اتضح خلالها أن أحمد جبريل يحتجز أسير إسرائيلي ثالث، وهو “حيزي شاي” الذي تم القبض عليه خلال حرب لبنان، وفي نهاية المفاوضات، قررت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة شمعون بيرس، تحرير الجنود الثلاثة مقابل 1151 أسير، ومن بينهم مدانين بتنفيذ عمليات كثيرة الضحايا، وضمن المحررين في تلك الصفقة كان هناك 381 محكوم بالمؤبد، ومن بينهم 76 شاركوا فعلياً بقتل يهود، وكذلك 119 شاركوا في عمليات أصيب خلالها يهود.

كان قرار الحكومة في الواقع بمثابة استمرار مباشر لسياسة إسرائيل تجاه عمليات الإبتزاز كما حُددت على يد اسحق رابين، بسبب أنه لم تتوفر إمكانية الخيار العسكري لتحرير المخطوفين، إلا أنه في تلك الحالة انتهكت الحكومة عدة مبادئ وتجاوزت عدة خطوط حمراء، وخلقت سابقة خطيرة، وهي عدم وجود أي تناسب عددي بين عدد الأسرى الإسرائيليين، وبين عدد المخربين المحررين. حيث استجابت إسرائيل هذه المرة لمطالب جبريل، ومكنته بشكل خاص تحديد من ستشملهم قائمة المحررين، في الواقع، تم التصنيف على يد لجان للأسرى أنفسهم داخل السجون الإسرائيلية، مع تفضيل الأسرى المحكومين بالمؤبد والأسرى الذين امضوا أكثر من عشر سنوات، وقد تم نقل القوائم إلى جبريل، ومن هناك إلى الصليب الأحمر الدولي، وعلاوة على ذلك، تم السماح لجبريل ولأول مرة بكتابة رسالة شخصية لكل أسير سيتم تحريره، (في المقابل سُمح للواء عاموس يارون بنقل رسائل إلى الأسرى الإسرائيليين الثلاثة في دمشق )، ولكن التنازل الإسرائيلي الأخطر، كان يتمثل في موافقة حكومة إسرائيل على الإفراج الجماعي عن أسرى أدينوا بعمليات قتل، والموافقة على أن بعض المحررين (نحو 600 محرر) يعودا للعيش في منازلهم في الأراضي المحتلة، تحت الحكم الإسرائيلي، وعدم إبعادهم إلى الدول العربية، (هذا الإستعداد من جانب إسرائيل عزز في نهاية المطاف منظمات الفصائل المسلحة في الأراضي الفلسطينية، بل إن بعض المحررين عاد إلى الأنشطة، ولقيادة وتوجيه خلايا تنفيذ العمليات) .

أدت صفقة جبريل إلى انتقادات جماهيرية حادة، وادعى المنتقدون بأن صناع القرار معرضين لضغوط شديدة من عائلات الجنود، ولم يملكوا القوة للصمود أمام هذه الضغوط، تصريحات صناع القرار في ذلك الوقت عززت فقط ادعاءات المنتقدين، حيث قال رئيس الحكومة في حينه شمعون بيرس أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست: “إن القرار بشأن تبادل الأسرى كان أحد أصعب القرارات … ولكن حين تلتقي العائلات مع أنباها، فإن حسابات كثيرة تأخذ بعداً جديداً، لأنه من الصعب جداً أن نرى عائلات الأسرى وهي تعاني” .

بينما قال وزير الدفاع اسحق رابين: “عندما استلمت منصبي كوزير للدفاع، وجدت بأن واجباً  أخلاقياً سامياً إلى حد التقديس، أن نضمن بأن جندي الجيش الإسرائيلي الذي أُرسل إلى الحرب … ويسقط في الأسر- يتم عمل كل شيء لإعادته إلى البيت” .

المعضلة التي اضطرت الحكومة مواجهتها في ذلك الوقت كانت مضاعفة، ( قيمية-أخلاقية-ونفعية)، وقد شدد المتحدثون باسم الحكومة بأنه واجب على الدولة إعادة الأبناء إلى الديار، وبذل كل ما بوسعها من أجل الإفراج عن أسراها، حتى وإن كانوا موجودين في أيدي منظمات إرهابية، حتى وإن كان ثمن تحريرهم باهظ جداً، وقد استند الادعاء في الواقع على مستويين:

المستوى الأول يتمثل في قيمة حياة الإنسان، وواجب الحكومة الاهتمام بسلامة مواطنيها، والمستوى الثاني الواجب الخاص الملقى على النظام بفداء وتخليص الجنود الذين أرسلوا إلى المعركة ضد العدو وتم أسرهم على يديه، وأمام الإدعاءات القيمية هذه، ادعى المعارضون للصفقة بأنه يوجد على الدولة واجب عام بحماية مواطنيها، وأن التحرير الشامل للمخربين من أصحاب التجربة والدافعية لقتل اليهود يعرض حياة كثير من الناس للخطر بشكل كبير جداً، أكثر من حياة المختطفين الثلاثة، وفيما يتعلق بمسألة النفعية، فإن المعارضين اعتقدوا في حينه وكما هو معروف، بأن مجرد تحرير المخربين سينقل رسالة سلبية للإرهابيين، بأن العنف ينتصر، وأنه حتى لو تم القبض عليهم، سيحررون في نهاية المطاف في هذه الصفقة أو تلك، وأن المخربين المحررين سيبثوا روحاً قتالية جديدة في صفوف منظمات الإرهاب، وينضموا إلى دائرة منفذي العمليات في المناطق الفلسطينية، ويساهموا بتجربتهم وعنفوانهم لصالح الكفاح المسلح.

معضلة صانع القرارات الإسرائيلي عند تحديد السياسة في ما يتعلق بعمليات المساومة والإنتهازية، وجدت تعبيرها في أقوال رئيس الحكومة ووزراء الدفاع الإسرائيليين، على سبيل المثال، موشيه آرنس الذي تبوأ سابقاً منصب وزير الدفاع في حكومات إسرائيل، تطرق لأوضاع المساومة وقال: “أعتقد بأنه لا توجد قواعد، وعلى نحو عام كنت أريد تحديد قاعدة بأن يعلموا –الإرهابيين- بأنهم لن ينجحوا أبداً، وهي أن لا يكون استعداد للتّساوم معهم، وبذلك لا تنجح عملية المساومة، إضافة إلى

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات