السبت 10/مايو/2025

التاريخ لم يبدأ عام 1783!

التاريخ لم يبدأ عام 1783!

المرشح المحتمل للحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية نيوت جينجريتش ليس السياسي الأميركي الوحيد الذي يظن أن التاريخ بدأ منذ عام 1783؛ يوم إعلان قيام الولايات المتحدة الأميركية بعد إعلان استقلال 13 ولاية إثر هزيمة بريطانيا المستعمرة بعد معارك طاحنة بين المستوطنين الأميركان والمستعمر البريطاني. والولايات المتحدة الأميركية قامت على جثث عشرات الملايين من سكان أميركا الأصليين (الهنود الحمر) كما أنها قامت إثر حرب أهلية بين الشمال والجنوب.

المهم أن تصريحات جينجريتش القائلة إن شعب فلسطين (مخترع) وإن على الفلسطينيين ترك فلسطين لليهود تدخل في بابين معاً: باب محاولة الحصول على أصوات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، وباب إثبات جهل معظم هؤلاء الساسة للتاريخ. وربما نضيف إلى ذلك ثبات السياسة الأميركية المعادية للعرب الفلسطينيين والعربي في فلسطين وثبات النظرة العنصرية نحو العرب والمسلمين ما دام المذكور اعتبر الفلسطينيين (إرهابيين)، ناسياً أن العصابات الصهيونية (الأرغون والهاجاناه والشتيرن وغيرها) هي أول عصابات تؤرخ الإرهاب في التاريخ الحديث.

الكنعانيون وصلوا إلى فلسطين ما بين 3000 و2500 عام قبل الميلاد واستطنوها: والكنعانيون كما هو معروف (عرب). وبذلك تكون عروبة فلسطين حقيقة تاريخية عمرها أكثر من خمسة آلاف عام في أقل تقدير.

مشكلة معظم الساسة الأميركيين هي أنهم لم يقرأوا التاريخ من جهة، وأنهم يعانون من عقدة عدم وجود جذور موغلة في التاريخ الإنساني للولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى. هناك بون شاسع بين من أنتج الحضارة الإنسانية قبل أكثر من خمسة آلاف عام، وبين من تجمع من أصقاع الأرض ليقيم دولة كبرى قبل نحو مئتين وأربعين عاماً أو أقل بقليل أو أكثر بقليل.

الحقد والعقد النفسية ذاتهما تتحكمان بأخلاقيات الساسة الأميركيين حيال حضارات العرب وغيرهم، وهي حضارات أغنت البشرية بما قدمته خلال حقب التاريخ. والعقدة من فلسطين وعروبتها قديمة قدم هزيمة الصليبيين على يد العرب المسلمين على يد القائد صلاح الدين الأيوبي. لقد أفلتت ذات مرة كلمة الحروب الصليبية من بين شفتي جورج دبليو بوش وهو يشن حربه العدوانية على العراق. كما أنه وقبله والده أكدا أن حربهما في العراق إنما كانت من أجل (أمن شعب إسرائيل).

أيعلم هؤلاء الناس أن اليهود في التاريخ الفلسطيني القديم إنما عاشوا في فلسطين سبعة عقود عجاف فقط؟

وأن يهود وصهاينة اليوم لا علاقة لهم بيهود ذلك التاريخ؟ وأن الدولة (المخترعة) حقاً هي (إسرائيل)، وعلى حساب شعب فلسطين إذ هي تجمع من شعوب ودول أخرى لا رابط لهم سوى أسطورة العقدة اليهودية ولتكوين كيان هو مخلب قط للمستعمرين الغربيين يمنع العرب من التوحد، ويسمح للمستعمرين الغربيين للقفز من جغرافية فلسطين للهيمنة على المنطقة وثرواتها وموقعها الاستراتيجي في العالم.

تصريحات هؤلاء الساسة تعبير عن إيمانهم بإمكانية توقف التاريخ عند عام 1783 و1948 ومعهما الفعل المناسب لإقامة “إسرائيل” وهو شن حرب إبادة على الشعب الفلسطيني تماماً كما شنت حرب الإبادة على الهنود الحمر.

لا يا ساسة نحن لسنا من الهنود الحمر وفلسطين موغلة في تاريخ عروبتها ما يعمق عقد الساسة العنصريين المعادين لحقوق الأمم والشعوب في الحرية والاستقلال.

*كاتب فلسطيني

[email protected]

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات