الأحد 11/مايو/2025

بين المقاومة الشعبية والكفاح المسلح

بين المقاومة الشعبية والكفاح المسلح

اتفاق حركتي فتح (السلطة) وحماس على المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال، وذلك في اللقاء الذي جمع بين زعيميهما في القاهرة، أعاد إلى الأذهان مفهوم المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها، والكفاح المسلح بشكل عام، فمن الملاحظ خفة استخدام هذا المفهوم في السنوات الأخيرة، حيث أصبح من ينادي بالكفاح المسلح وكأنه من ماضٍ سحيق، وكأنه يغرّد خارج السرب!.

بشكل موضوعي استطاعت الولايات المتحدة و”إسرائيل” والدول الغربية تحقيق بعض النجاحات مؤخراً، في تركيز الحملة الدعائية المكثفة لوصف المقاومة المشروعة للشعوب المحتلة أراضيها، والمغتصبة إرادتها بــ(الإرهاب) تماماً مثل التطبيع الإعلامي مع “إسرائيل”، بإدخال الضيوف الإسرائيليين إلى بيوتنا عندما تستضيفهم الفضائيات العربية، حيث أن من يدعو للمقاومة بات من (الإرهابيين) بغض النظر عن فعل الاحتلال الصهيوني، الذي مازال قائماً على الأرض الفلسطينية كلها، وعلى بعض من الأرض العربية. تمدد مفهوم “المقاومة الشعبية” ليصبح بديلاً لـ”الكفاح المسلح” الذي أصبح في ذهن رئيس السلطة محمود عباس “إرهاباً” و”عبثياً” وتدميراً للشعب الفلسطيني، ليس في ذهنه فحسب بل في عقول ورؤوس الكثيرين.

مفهوم “المقاومة الشعبية” هو مفهوم وُجد منذ بدء ظاهرة الاستعمار والاحتلال، لكونه ارتبط منذ قيام الثورات ضد فعل الاحتلال، بــ”الكفاح الشعبي المسلح” لمقاومة الاحتلال. المقاومة الشعبية مبدأ عام للمقاومة تقتصر على انخراط المجموع الشعبي في فعل المقاومة ولكن بوسائل سلمية: كالعصيان المدني والانتفاضات والإضرابات والمظاهرات وغيرها من الأشكال.

كان أبرز تمثيل للمقاومة الشعبــية في الهند بقيادة غاندي ضد الاستعمار البريطـــــاني لأراضيها، واستطاعت المقاومة الشعبية تحقيق منجزات ملموسة في التحرر، وتجربة الانتفاضيتين: الأولى والثانية في المناطق الفلسطينية المحتلة.

على صعيد القضية الفلسطينية نادت بــ”المقاومة الشعبية”، الأحزاب الشيوعية العربية ومنها الفلسطيني، كبديلٍ عن الكفاح المسلح، وما تزال بقايا هذه الأحزاب تغلّب هذا الشكل المقاوم الشعبي على كل أشكال المقاومة الأخرى (باستثناء الحزب الشيوعي اللبناني الذي خاض كفاحاً مسلحاً ضد “إسرائيل” وتجربة الحزب الشيوعي الأردني حين شكّل قوات الأنصار لفترة قصيرة في السبعينيات). في هذه المرحلة وكما قلنا ازدادت أعداد المنادين بهذا الشكل الشعبي من المقاومة.

بدايةً، علينا الأخذ: بأن العدو الصهيوني ليس شكلاً تقليدياً من الاستعمار، هو شكل استعماري خاص وفريد من نوعه، فهو اقتلاعي للشعب الفلسطيني وإحلالي للمهاجرين، وهو شكل عنصري فوقي، جاء لضرب ليس الفلسطينيين وحدهم وإنما لمجمل المشروع الوطني العربي، تحمل الصهيونية في طياتها مشروعاً جغرافيا “لدولة إسرائيل الكبرى” التي تحتل أراضي عربية أخرى، بفعل المستجدات السياسية أصبح عنوانه: السيطرة السياسية على المنطقة من خلال الهيمنة الاقتصادية عليها، لكن لا نستطيع القول بنهاية مشروع دولة “إسرائيل” الكبرى، في ظل التحولات اليمينية الجارية على قدمٍ وساق في الشارع الإسرائيلي.

الحركة الصهيونية ومن أجل تنفيذ مشروعها وما تزال اعتمدت وتعتمد القوة الفائقة، وصولاً إلى المجازر الكبيرة في تحقيق مشروعها، وكذلك في التهجير القسري للفلسطينيين، وبالتالي فهل تؤدي المقاومة الشعبية دورها في تحرير الأرض الفلسطينية وإحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني؟ نشك في إمكانية ذلك رغم التقدير لهذا الشكل من المقاومة.

على صعيدٍ آخر، لقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً رقمه (3034) في عام 1973، فرقت فيه بين الأعمال الإرهابية والنضال العادل للشعوب، وأكدت على الحق الراسخ للشعوب في مقاومة محتليها واتخذت قراراً رقمه (3314) عام 1974 بما فيها “حق الشعوب بالكفاح المسلح من أجل حريتها واستقلالها وحقها في تقرير مصيرها” بمعنى أنه يمكن الاستناد للقرارين المذكورين في ممارسة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني.

على صعيد آخر، فإن تجربة كافة حركات التحرر الوطني على صعيد العالم أجمع، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية أثبتت: أن الكفاح المسلح هو الطريق لنيل الشعوب استقلالها وحريتها وطردها للمستعمر. لم يخرج محتل من أرض يحتلها، إلا عن طريق القوة وتحويل مشروعه الاستعماري الاحتلالي إلى مشروع خاسر بالمعنيين: الاقتصادي والديموغرافي.

إن فترة خفوت الكفاح المسلح في الضفة الغربية وكذلك التهدئة في غزة، لم تقلل من خسائر شعبنا من قبل العدو الصهيوني، الذي يقصف ويقتل ويغتال ويعتقل ويهدم الأرض. هذه الخسائر كان ممكناً أن تقوم أيضاً في ظل ارتفاع وسيلة الكفاح المسلح، إن اعتراف العدو بوجود الشعب الفلسطيني لم يكن ممكناً دون الكفاح المسلح، كذلك هي هويتنا الوطنية، لم تكن لتتحقق إلا بفضله، ولم يكن العالم ليعرف قضيتنا، كقضية شعب له حقوقه مثل كافة الشعوب الأخرى! ويؤيد هذه القضية، سوى بالثورة الشعبية المسلحة.

من يعرف الداخل الإسرائيلي، وعقلية هذا العدو وطبيعة التحولات فيه، وتركيبة أحزابه يدرك تماماً: الرفض المطلق لهذا العدو لحل الدولتين، لأنه باختصار يرى أن قيام دولة فلسطينية، هو النقيض لوجوده، كذلك هو يرفض رفضاً مطلقاً حل الدولة الديموقراطية العلمانية، أو الدولة الثنائية القومية لأن هذين الحلين يتعارضان مع هدفه في إنشاء دولة إسرائيل اليهودية.

إن المناداة بالكفاح المسلح لا تنجم عن عشق له فهو طريق تُجبر الثورات والشعوب على إتباعه والنضال على هديه. لأنه الطريق الوحيد القادر على إيصال الشعب إلى حريته ونيل حقوقه الوطنية، وفي الحالة الفلسطينية والعربية لا حلول مع هذا الكيان الصهيوني إلا بإزالته آجلاً أو عاجلاً.

* كاتب فلسطيني

صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....