خِطاب للتصْدير فقط

لو استطاع الجنرالات والسّاسة في الدولة العِبْرية أن يَصْمتوا قليلاً إزاء ما يجري حَوْلهم لَفَعلوا، لكنهم مطالبون بالكلام أمام ناخبيهم أولاً، ومَنْ ابتلَعَوا الطعم بين اليهود ثانياً، فالطعم رَغْم أنه مَقْدودٌ من لَحْمهم، أوْهَمَهم بأن شرط بقائهم على قيد الحياة والسياسة معاً هو إبادة الآخر، سواء من الناحية العضوية أو المعنوية والثقافية.
قُبَيْل إسقاط النظام في مصر نقلت عدة وسائل إعلام عن شمعون بيريز قوله إن ذلك النظام كان بمنزلة كَنْز استراتيجي لدولته، وما إن أسقط النظام حتى سارع باراك وآخرون إلى إعلان مخاوفهم من التغيير في مصر.
إن ما يَصْدرُ عَن هؤلاء هو خِطاب مزدوج، إضافة إلى قابليته للتأويل من خلال الترجمة، فثمّة مواقف تكون تصريحاتهم عنها بالإنجليزية التي لا تقبل مثل هذا التأويل، مقابل مواقف أخرى يلجأون للتصريح عنها إلى العِبْرية وربما باليديشية التي عاتب بن غوريون إسحق دويتشر ورفض مصافحته لأنه لا يكتب بها. ولأسباب غير مفهومة باتت “تل أبيب” خارج معظم التحليلات الأكثر تَسْويقاً ورَواجاً عن متغيرات الشرق الأوسط، وإن كان هناك بعض العَرَب قد سقطوا في خطأ جذري عندما ربطوا بين حراك اقتصادي في مدن فلسطين المحتلة وبين الحراك السياسي في الوطن العربي، ونسوا أن مَنْ يتظاهرون في “تل أبيب” يريدون تَحْسين شروط حياتهم، وهم إذ يطالبون بسقوط جنرال أو رئيس حكومة، لا يطالبون بسقوط الاحتلال أو حتى الانسحاب وإيقاف الاستيطان، وتلك حكاية أخرى تطول.
ما يهمنا الآن هو التصريحات المتعاقبة القادمة من “تل أبيب” عمّا يجري من متغيرات سياسية في وطننا العربي، ذلك أنهم راهنوا على استمرار حالة الاسْتِنْقاع التي عاشها العرب زمناً ليس بالقصير، وأهمّ ما في هذا الرهان الركون إلى بقاء الخَلَل في موازين القوى والمواجهة، بحيث يَتَفرّغون لمواصلة الاستيطان وتكريس الاحتلال وتحويله إلى استحقاق، فيما يَسْتغرقُ العَرَب مِنْ حولهم في سُباتٍ سياسي طويل.
وآخر ما صدر من تصريحات على لسان الجنرال باراك، ملغومٌ وقابل لعدة تأويلات وقراءات، فهو إذ يَعْزِف على الوتر الصهيوني الأكثر حساسية عن الأمن وترويع اليهود من القادم العربي، يدسّ أنفه مرةً أخرى في شِعاب الإقليم، ويحاول أن يوحي لمن ابتلعوا الطعمَ المَقْدودَ من لحمهم، بأن أي ربيع عربي هو بالضرورة خريف في “تل أبيب”، لكنه لا يقول ذلك على نحو مباشر، فالمقصود إذاً، هو استدعاء كل الاحتياطيات بدءاً من احتياطي الجاسوسية حتى الاحتياطي النّووي لإعادة المارد إلى القمقم. هذا بالرغم من أن النّاطقين باسم الحراك العربي كرروا مراراً القول إنهم يحترمون الاتفاقيات الدولية، وكامب ديفيد واحدة منها، حتى لو لم يسموها باسمها الحقيقي.
وإذا كان هناك سلاحٌ يوازي الجَعْبة النّووية ل”تل أبيب”، فهو المستقبل العربي، وقد بدأ بالفعل يمهّد لتوازن رُعْب من طراز غير مسبوق، وما تخشاه الدولة العبرية حدّ الهَلَع هو هذا المستقبل، لأنه بالنسبة إليها بمرتبة كمين تاريخي، وهذا ما دفعها بقوة إلى اعتصار العرب في اتفاقيات سلام حتى آخر قطرة حبر وقطرة دم، فالمعاهدات لم يكن المستقبل طرفاً فيها، وإذا كانت ملزمة لجيل، فهي ليست كذلك بالنسبة إلى أحفاد وأحفاد أحفاد هذا الجيل.
والأرجح أن أول شجرة أورقت في أرض العرب تزامن معها اصفرار وسقوط غابات في رؤوس الجنرالات المذعورين!
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل بالقصف المباشر على قطاع غزة ما معدله 21.3 امرأة...

الصحة تحذر من تسارع مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وزارة الصحة من أن مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية في "تسارع خطير"، فميا أفادت بأن مستشفيات القطاع استقبلت...

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...

السفير الأمريكي في إسرائيل يجدد دعم واشنطن لتهجير الفلسطينيين من غزة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد السفير الأمريكي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي مايك هاكابي، دعم واشنطن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رغم...

جيش الاحتلال يعلن استعادة رفات جندي قٌتل في اجتياح لبنان 1982
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية في عملية وصفة بالخاصة....

مسيرة احتجاجية في ستوكهولم تنديدا بالإبادة الإسرائيلية في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام انطلقت في العاصمة السويدية ستوكهولم، السبت، مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار إسرائيل توسيع الإبادة على قطاع غزة. ووفق الأناضول؛...

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...