السبت 10/مايو/2025

بين وعدٍ ووعود!

بين وعدٍ ووعود!

أربعة وتسعون عاماً مرّت على وعد بلفور للحركة الصهيونية، والذي جعل من فلسطين مكاناً لإقامة الوطن القومي لليهود، بما يمثله ذلك من انصياع بريطاني لقرار المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897،والذي جعل من فلسطين أرضاً للميعاد.

قرار الحركة الصهيونية ووزير الخارجية البريطاني فيما بعد مثّلا ولا يزالان التقاء المصالح الاستعمارية والصهيونية ومخططاتهما البعيدة المدى للوطن العربي والقاضية بإقامة دولة غريبة عن المنطقة وعدوة لسكانها في الجزء الفاصل بين دول الوطن العربي في آسيا والأخرى في أفريقيا، هذه الدولة ستكون رأس جسرٍ للمصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط، وحربة في ممارسة العدوان على دوله كما أنيطت بها مهمة منع الأقطار العربية من الوحدة لأن وحدتها تجعل منها قوة مؤثرة على الساحة الدولية، تم رسم هذا المخطط في مؤتمر كامبل – بنرمان في عام 1908 بين الدول الاستعمارية تتويجاً لقرار المؤتمر الصهيوني وتمهيداً لوعد بلفور فيما بعد.

وبالفعل جرت الأحداث الفعلية بقوة السلاح الاستعماري الانتدابي البريطاني وفقاً لهذا المخطط، إذ سهّلت بريطانيا (الدولة المنتدبة على فلسطين) وكافة الدول الاستعمارية الأخرى (بما في ذلك ألمانيا النازية): هجرة اليهود إلى فلسطين تحت سمع وبصر سلطات الانتداب البريطاني، وسلّحتهم بأنواع الأسلحة الحديثة التي كانت في ذلك الوقت لينشؤوا فيما بعد منظماتهم الإرهابية الصهيونية، التي كانت نواة الجيش الإسرائيلي حينما تم الإعلان عن قيام الدولة.

صحيح أن الأمم المتحدة اتخذت قراراً في عام 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية وأخرى يهودية، لكن كلاً من بريطانيا والحركة الصهيونية عملتا كل ما بوسعيهما لمنع تنفيذ ذلك القرار، هذا ما أثبتته الوثائق البريطانية والإسرائيلية فيما بعد، بعد أن تم الإفراج عنها بعد سنوات طويلة.

يأتي وعد بلفور هذا العام بعد الإنجاز الذي حققته فلسطين في اليونيسكو بقبولها عضواً كامل العضوية في هذه المنظمة الدولية، ويأتي أيضاً في وقت ستبحث فيه الأمم المتحدة طلباً فلسطينياً لقبول عضوية فلسطين عضواً كامل العضوية فيها. نحن لا نقلل من هذه الانجازات بعد استكمال العضوية في الأمم المتحدة لكن علينا أيضاً عدم تعظيمها إلى الحد الذي نتصور فيه أن الدولة الفلسطينية قد أصبحت على مرمى حجر فبيننا وبين تحقيق هذا الهدف كفاح نضالي طويل فعدونا لا يستجيب للمناشدة ولا للقرارات الدولية يستجيب فقط للغة المقاومة ضده ولا يتنازل عن تسويته المطروحة من قبله إلا في وصولنا إلى ميزان قوى نجبره على الانصياع لحقوق شعبنا الوطنية.

في ذكرى وعد بلفور المشؤوم، نتذكر وعوداً كثيرة وُعِدْت بها الحركة الصهيونية وفيما بعد “إسرائيل”. كل هذه الوعود يجري تنفيذها بدقة متناهية من كافة دول العالم، لكن الوعود التي تقطع للفلسطينيين والعرب يجري التخلي عنها تماماً والانقلاب عليها أولاً عن آخر. لقد وعدت بريطانيا في أربعينيات القرن الماضي بإقامة دولة فلسطينية وتخلت عن هذا الوعد. ما أشبه الليلة بالبارحة، فالرؤساء الأميركيون منذ كلينتون ومروراً بجورج بوش الابن وصولاً إلى الرئيس الحالي أوباما تعهدوا بالعمل على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن هذه الوعود جرى التخلي عنها تماماً، بل العكس من ذلك فإن الإدارة الأميركية تحارب أية مظاهر لدولة فلسطينية مستقلة، تماماً كالموقف الأميركي المعارض لقبول دولة فلسطين عضواً في منظمة اليونيسكو وتماماً كالموقف الأميركي من بحث قبول دولة فلسطين على أراضي 67 عضواً في الأمم المتحدة وغيرها وغيرها.

نتساءل في ذكرى وعد بلفور لماذا لا تجرؤ دول العالم عن التخلي عن وعودها ل”إسرائيل”؟ وتتخلى عن وعودها للفلسطينيين والعرب؟ الجواب ببساطة: أن “إسرائيل” والحركة الصهيونية هي حليف استراتيجي للدول الاستعمارية هذا أولاً، وثانياً: لأنهما يمتلكان من وسائل الضغط الكثير وفي مختلف المجالات مما يؤثر على هذه الدول، بينما نحن كفلسطينيين وكعرب ورغم امتلاكنا لأوراق قوة ضاغطة كبيرة إن من حيث السياسة أو في المجال الاقتصادي لكننا لا نحسن استغلال هذه الأوراق، ونتعامل مع تلك الدول كأقطار متفرقة وليس كصيغة جمعية مؤثرة، الأمر الذي يعني أننا نستهين بأنفسنا، بالتالي تستهين بنا هذه الدول. تلك هي الحقيقة!.

كاتب فلسطيني

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات