المسار الفلسطيني إلى أين؟

أعاد أبومازن طرح السؤال المحوري عن الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية، وهو إلى أين، وماذا بعد الذهاب إلى الأمم المتحدة؟ لقد أكد أبومازن أكثر من مرة، أن الخيار الأفضل هو المفاوضات، شريطة وقف الاستيطان. ولكن هذا الخيار، أوصدت أمامه السبل، وأصرّ الكيان الصهيوني على الاستمرار في بناء المستعمرات الصهيونية، ولم تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية، أي ورقة ضغط لإلزامه، حتى بالتجميد المؤقت للاستيطان، الذي سعت إليه في وقت من الأوقات، رغبة في استمرار المفاوضات وتجميل صورتها باعتبارها راعية لعملية السلام، بل قدمت حوافز مغرية للكيان الصهيوني لقاء هذا التجميد المؤقت للاستيطان، ولم يستجب الكيان الصهيوني الذي يدرك تماماً أن العون الأمريكي حاضر دائماً وعلى مختلف الصعد، العسكرية والاقتصادية والسياسية.
وبدا الدور الأمريكي متراجعاً أمام الصلف الصهيوني، فقد تراجعت الإدارة الأمريكية عن موقفها الذي أعلنته في بداية عهدها بضرورة تجميد الاستيطان، وتخاذلت أمام إصرار الكيان الصهيوني على الاستمرار في بناء المستعمرات الصهيونية، رغم أنها لا تزال في خطابها الإعلامي، تعتبر الاستيطان غير قانوني، بل بدا الكيان الصهيوني هو صاحب الكلمة العليا والقول الفصل في هذه القضية حتى بلغ الأمر بالإدارة الأمريكية أن تتخلى عما كانت تصرّ عليه في بداية عهدها بخصوص تجميد الاستيطان، وأن تناقض خطابها الإعلامي، الذي يعتبر الاستيطان غير قانوني، وأن تقف بمفردها في مجلس الأمن، مستخدمة حق النقض ضد إجماع يدين الاستيطان.
وعندما اضطرت السلطة الفلسطينية إلى اعتماد خيار آخر هو الذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة في الأمم المتحدة أبدت الإدارة الأمريكية امتعاضاً، وحذرت السلطة الفلسطينية من هذا المسار، ولوحت باستخدام حق النقض، وأصرت على اعتبار المفاوضات المسار الوحيد للوصول إلى دولة فلسطينية.
وهكذا تعيد الإدارة الأمريكية، الموضوع إلى المربع الأول، الذي هو مربع مسدود، تدرك الإدارة الأمريكية أنه موصد، وأن الكيان الصهيوني هو الذي أوصده بإصراره على الاستمرار في بناء المستعمرات الصهيونية، وأنها فشلت فشلاً ذريعاً في ثنيه عن ذلك مؤقتاً، وقدمت له الحوافز المغرية لكي يلتزم بتجميد مؤقت، فأعرض عن ذلك مصّراً على الاستمرار في بناء المستعمرات الصهيونية.
فكيف تصرّ الإدارة الأمريكية على المفاوضات، والمفاوضات مجمدة وأفقها مسدود؟ وكيف تدعو “الرباعية” إلى المفاوضات، وهي تدرك تماماً السبب الرئيسي في تجميد المفاوضات وانسداد أفقها، مع أن دعوة “الرباعية” ليست إلا صدى للدعوة الأمريكية.
إن أبا مازن كان قد طرح منذ توقف المفاوضات وانسداد أفقها خيارات عدة، تضمنت الذهاب إلى مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو إعلان الدولة من جانب واحد، أو اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمرجعية حدود 1967، أو تفعيل الدور الأوروبي، وأخيراً حلّ السلطة.
ومعروف أن أوباما، حذر السلطة الفلسطينية من الذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين، وهدد باستخدام حق النقض، كما أنه رغم إشارته إلى مرجعية حدود 1967، التي أشاعت قدراً من الارتياح، في الوسط الفلسطيني والعربي، نكث عنها في أعقاب رد الفعل الصهيوني، وحاول الالتفاف عليها بالتأكيد على أنه يجب أن تؤخذ الوقائع على الأرض في الاعتبار، وأنه في إطار تبادل الأراضي لن تكون الحدود بالضرورة هي حدود 1967.
ومعروف كذلك أن إعلان الدولة من جانب واحد لا يحقق جديداً وقد سبق أن تم هذا الإعلان وتم الاعتراف من عدد من الدول بدولة فلسطين، ولكن لم يكن لذلك تأثير في الواقع. ثم أن تفعيل الدور الأوروبي يأتي خارج السياق أو هو نوع من البحث عن بديل للدور الأمريكي وتجاهل الواقع الذي يوضح بجلاء أن الدور الأوروبي متناسق مع الدور الأمريكي أو متكامل معه.
ويبقى الخيار الأخير، وهو حلّ السلطة، خياراً قابلاً للبحث الجدي في إطار ما أوضحه أبومازن عن واقع السلطة التي تلتزم بالتنسيق الأمني، وتحفظ أمن الكيان الصهيوني، ولا تتمتع بأي سلطة، فهي سلطة بلا سلطة، وأن رئيس السلطة يحتاج إلى تصريح من المراجع الصهيونية في دخوله أو خروجه من الأرض الفلسطينية. والسلطة الفلسطينية التي تؤدي الدور الأمني والإداري والخدمي تتحمل عن الكيان الصهيوني المحتل مسؤوليته في أداء هذه المهام في وقت لا تتمتع فيه بأي سلطة. ولذلك فإن حلّ السلطة يجعل الكيان الصهيوني، يتحمل مسؤولية القيام بهذه المهام، بدلاً من أن تتولاها السلطة الفلسطينية، وهي بلا سلطة، وتريح الكيان الصهيوني من أعبائها وتجعل احتلاله احتلالاً غير مكلف كما أوضح ذلك أبومازن.
ولهذا فإنه أوجب من الواجب أن تستكمل المصالحة الفلسطينية مع إدراك التباين الكبير بين النهجين، لفتح وحماس، في إطار توافق يعترف بالتباين ويوجه المسار الفلسطيني وفق البوصلة الوطنية تجاه الاحتلال الصهيوني، وفي إطار هذا التوافق يمكن وضع استراتيجية وطنية متكاملة للمسار الفلسطيني.
هذا التوافق هو صمام الأمان، والتباين في النهج هو تباين في الأسلوب، وليس في الهدف، ومن الممكن الدمج بين النهجين، وصهرهما في بوتقة الهدف، وصولاً للإجابة عن السؤال، إلى أين؟
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...