الإثنين 12/مايو/2025

الانتخابات المصرية والإعلام الغربي

الانتخابات المصرية والإعلام الغربي

كنت حريصة طوال الجولة الأولى للانتخابات المصرية، على متابعة موقف الإعلام الأميركي مما يحدث في بلادي. وقد تبين أن تلك الانتخابات دحضت الكثير من الأساطير، التي طالما رددها غربيون عن الثورة وعن القوى السياسية في مصر، بل وكشفت القناع عن الكثير من انحيازات الإعلام والنخبة في أميركا.

أما الأساطير التي سقطت، فكان أولها تلك التي تزعم أن أميركا كان لها دور في نجاح الثورة المصرية. وهي أسطورة روج لها البعض لتشويه الثورة المصرية العظيمة، وأوحى بها بعض السياسيين الأميركيين، للتغطية على الموقف المخجل الذي اتخذته إدارة أوباما طوال أيام الثورة الثمانية عشر، وحتى سقوط مبارك.

وعلى طريقة ظهور الحقيقة حين يختلف الشركاء، فإن توماس فريدمان في معرض رده على ادعاءات نتنياهو ضد إدارة أوباما، هدم الأسطورة. وفريدمان، كما هو معروف، كاتب له نفوذ في دوائر صنع القرار الأميركي، وهو أيضاً من أهم أنصار “إسرائيل”. إلا أنه من اليهود الأميركيين الذين يختلفون مع حكومة نتنياهو، ليس لأنها ترتكب جرائم حرب أو تحتل أراضي الغير، وإنما لأن حكومة نتنياهو- في نظره- بإصرارها على بناء المستوطنات وإفشال حل الدولتين، تدفع ب”إسرائيل” نحو الهاوية، لأنها بذلك تفتح الطريق لحل الدولة الواحدة، الذي سيكون وفقاً للتوازن السكاني معناه نهاية دولة “إسرائيل” أصلاً.

وفي مقاله الأسبوع الماضي في “نيويورك تايمز”، الذي ناقش فيه مستقبل “إسرائيل” في ضوء الثورات العربية، استعرض فريدمان زعم نتنياهو بأن تلك الثورات “تجر العالم العربي للوراء”، لأنها تنتج “حكومات إسلامية معادية للغرب ولإسرائيل”. لكن ما أثار فريدمان في تصريحات نتنياهو، هو أنه كرر من جديد اتهامه لأميركا بأنها بدلاً من أن تنقذ مبارك ساعدت على الإطاحة به. هنا قال فريدمان- القريب من دوائر السلطة الأميركية- إن زعم نتنياهو “هراء” وعار من الصحة، وأضاف أن الشعب وحده هو الذي أسقط مبارك وغيره من الرؤساء العرب.

لكن اللافت للانتباه أن فريدمان لم يعترض مطلقاً في مقاله على ما قاله نتنياهو، من أن الثورات العربية “تجر العالم العربي للخلف”، وهو المعنى المبني على فكرة مؤداها أن نجاح الإسلاميين في الانتخابات في البلدان العربية، معناه قيام حكومات معادية للغرب ول”إسرائيل”.

والحقيقة أن تلك أيضاً من الأساطير الكبرى التي يروج لها “إسرائيل” وأنصارها في واشنطن، الساعون إلى التأكيد على أن الإسلام هو العدو. وفي زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة، قال أحد المتحدثين الذين شاركوني المنصة في ندوة أقيمت في جامعة نيويورك، إن الإسلاميين معادون ل”إسرائيل” وللسياسات الأميركية في المنطقة. فقلت له وللجمهور في القاعة، إن تلك الصيغة فيها استسهال واضح، وتنقصها الدقة لأنها نصف الحقيقة.

فكل التيارات المصرية من اليمين لليسار، تعادي الاحتلال الإسرائيلي وترفض حصار غزة، والإسلاميون ليسوا استثناء من ذلك. بعبارة أخرى؛ لو وصل اليسار أو الناصريون مثلاً للحكم في مصر، فلن يكونوا أقل استقلالية في مواقفهم الخارجية، ولا أقل رفضاً للاحتلال الإسرائيلي من الإسلاميين. لكن هذا المعنى الذي يفضح فشل السياسات الأميركية والإسرائيلية والرفض الشعبي الواسع لها في مصر، نادراً ما تجد من الأميركيين من يريد الاعتراف به.

لذلك كان لافتاً أن يأتي الاعتراف من كاتب إسرائيلي. ففي صحيفة هآرتز الإسرائيلية، كتب زيفي بارئيل ينصح “إسرائيل” بأن تعترف لنفسها بأن العلمانيين المصريين مثلهم مثل الإسلاميين، معادون لسياسات “إسرائيل”. وذكر الكثير من الشخصيات العامة المصرية غير الإسلامية، مثل علاء الأسواني وصنع الله إبراهيم، بل والمقاطعة الجماعية ل”إسرائيل” ورفض التطبيع معها.

لكن اللافت للانتباه كان أن أنصار “إسرائيل” في واشنطن، كانوا أكثر ملكية من الملك، فهم أفصحوا عن عداء واضح للديمقراطية المصرية الوليدة. فعلى موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الذراع البحثية للوبي “إسرائيل” في واشنطن، كتب روبرت ساتلوف، أحد أهم أنصار “إسرائيل”، مقالاً قدم فيه مجموعة من الأفكار المعادية للديمقراطية. فهو على سبيل المثال، بدا مستاء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، كونه ضيّع، على حد تعبيره، تسعة أشهر كاملة دون أن يضمن لنفسه موقعاً متميزاً في الدستور الجديد!

وما يطالب به ساتلوف هو بالضبط ما رفضته كل القوى السياسية المصرية، وعارضه شباب الثورة. ليس هذا فقط، بل إن ساتلوف قدم نصيحة لإدارة أوباما ذات طابع استعماري بامتياز. فهو نصح أوباما بأن يوجه خطاباً للمصريين ينبههم “إلى عواقب تصويتهم” (للإسلاميين طبعاً أو لأية قوة لا ترضى عنها أميركا وإسرائيل). بعبارة أخرى؛ فنحن المصريون- عند الخواجة ساتلوف- مجموعة من المتخلفين الذين لا يعرفون مصلحتهم، ولا كيف يدلون بأصواتهم، ومن ثم يتحتم أن يتدخل من يعرفون مصلحتنا، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي شخصياً، ليعلموننا خطورة أفعالنا الصبيانية، المتمثلة في التصويت لمن نريد! أي والله!!

وعلى الرغم من أنه يظل من حق الأميركيين أن يطالبوا حكومتهم بما يشاءون، إلا أن افتتاحية “نيويورك تايمز” ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تطوعت مشكورة بتوجيه نصائحها للإسلاميين والعلمانيين في مصر! فهي وجهت رسالة للإخوان تحدثت فيها إليهم نيابة عن شعب مصر، قائلة لهم إن “أغلب المصريين لا يريدون دكتاتورية دينية بدلاً من الدكتاتورية العلمانية”، ثم راحت تدعو القوى غير الإسلامية في مصر للتوحد، آملة في أن “تدفعهم نتائج الجولة الأولى للعمل بجدية أكبر لضمان تمثيلهم في البرلمان”.

في تلك التغطيات وغيرها، يتضح تماماً أن مسألة الديمقراطية الانتقائية لا تقتصر على صناع القرار في أميركا، فالنخب السياسية والإعلامية الأميركية، لا ترضيها هي الأخرى الديمقراطية التي تأتي بغير من يريدون. أمّا ما نريده نحن فلا يهم، لأنهم يعرفون مصلحتنا أكثر منا!!

[email protected]

صحيفة البيان الإماراتية    

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات