التنسيق الأمني: أطهر ظاهرة عرفها العرب- محاولة لقراءة خطاب وكالة (معاً)

ل تعجب من هذا العنوان قارئي الكريم؟!
-
كم أنت عجيب إذ تعجب من هكذا عنوان، إنما العجب من عجبك، وعجبك مردود من وجوه:
في عالم البشر، كل شيء ممكن، إلى هذا المستوى الحاد من الإغراب في الرأي، وتبنيه والإعلان عنه والتصريح والمفاخرة به، وأي فرق بين منح سلاح التنسيق الأمني الأفضلية المطلقة على العرب مجتمعين وتعري تلك الفتاة المصرية على حسابها على تويتر؟! وأي فرق بين إلحاح الصهاينة على مبدأ طهارة السلاح ودنسه مفضوح في كل شاشة نقلت صراخ النساء وتشوهات الأطفال في غزة، وأن يلح كاتب فلسطيني على طهارة التنسيق الأمني؟! إن دهشتك قارئي الكريم متخلقة من رحم الطهر الحقيقي، لكن هذا الطهر يلزم إنزاله إلى عالم الدنيا وعركه بها كي لا ينخدع الأطهار بالمدنسين من المسترزقين بالحرف العربي الطاهر.
في عالم الصحافة والفكر والثقافة، لن تعدم صحافياً يتجمل بالعري المتلحف بالثوب الفاضح، كالراقصة الشرقية التي تسترزق بلحمها المهتز، ولن تعدم مثقفاً خائناً لكل فكرة نبيلة على بلاط السلطة، أو مسترقاً لأحقاد معتقة يغذي بها نشوة سكرى بالفضيحة، ولن تعدم مفكراً ليس له من الفكر سوى سذاجة التفكير، والظن الأرعن بأسبقية عقله على العالمين، بل لعل هذه ظاهرة يراها البعض غالبة على هذا الوسط الخائن للكلمة الحرة والثقافة الرسالية والفكر الموضوعي، فما المشكلة أن تجد صحافياً ركيك العبارة لكنه يتقن العبرية وتنفرش له أموال “الأنْجَوَزَة” وتعلو به طائرة الرئاسة آلاف الأقدام فوق المحيطات فتأخذه الخفة خاصة وفي ظهره سطوة السلطة والقوة الأمنية، أن يصف سلاح التنسيق الأمني بالأفضل بين العرب قارناً إياه في تناقض وقح بسلاح حزب الله؟
ولعلك قارئي الكريم، لن تكون دهشاً الآن، إذا علمت أن صاحب هذا الوصف، هو ناصر اللحام، رئيس تحرير وكالة (معاً)، ذلك لأن له سوابق في تملق المؤسسة الأمنية، والإدارة الحاكمة في الضفة الغربية، متجرداً من الحد الأدنى الذي يحرص عليه بعض “خونة الكلمة” من نزاهة مدعاة حفظاً لخط الرجعة وثروة الحرباء بألوانها، ولا حاجة لنا في إعادة الحديث عن تلك المواقف التي يصر اللحام على تعزيزها بما هو أكثر دلالة في الحرص على نزع القليل المفضوح من الملابس العارية عن عوراته التي لن تعجب بصراً سليماً، أو ذوقاً نقياً من الشذوذ واستعذاب القبح.
-
وقد يكون ضرورياً، الوقوف قليلاً مع الخبر الذي نشره اللحام في وكالة (معاً)، على سبيل بيان مستوى المهنية في هذه الوكالة المرعية رسمياً من المؤسسة الحاكمة في الضفة بشقيها المدني والأمني، لعل ذلك يفيد في النقد للأداء الإعلامي الفلسطيني، ويقدم إضافة في السعي لتحريره من الارتزاق، والاسترقاق، سواء للمؤسسة الرسمية المحلية، أو للممول الأجنبي، أو لشطحات هوى القائمين على هذا الإعلام:
حينما تقرأ فاتحة الخبر، سوف تعيش ذهنياً، في أجواء الصحافة أو التلفزة العربية في صورتها القديمة، وهي تصف أدق تفاصيل استقبال الملك أو الرئيس في البلد المضيف، وهذا ليس غريباً، فأن تجتر (معاً) الخطاب الإعلامي الرسمي العربي في أكثر كلاشيهاته خشبية أمر مألوف، لكن الغريب أن تصل النرجسية بناصر اللحام حد تقمصه شخص ملك أو رئيس فتبدأ وكالته في وصف استقباله داخل الأكاديمية الأمنية في أريحا فهو الغريب على أي حس صحفي حقيقي، إذ الحاجة منتفية لمثل هذا المسلك المكشوف في الترويج للذات والكشف عن تضخمها، وكان يمكن الذهاب مباشرة للحديث عن مضمون المحاضرة التي ألقاها اللحام على منتسبي الأكاديمية الأمنية. فهل يعيد اللحام في ذاته نرجسية القذافي المؤسسة على التقدير المتوهم للذات لكن هذه المرة في صورة صحافي لا زعيم؟
المحاضرة في طبيعتها علمية، ومما يشوه طابعها العلمي أو النقدي أو الإثرائي، التملق المتكلف، والمديح الكلاشيهي، كأن يقول اللحام: (اليوم اشعر انني امام جيش من الاسود يقوده اسد)، والجملة منقولة كما هي حتى بدون الهمزات من وكالة (معاً)، وليس مهماً من هو الأسد القائد المقصود في كلام اللحام، وليس مهماً ما هي الأسس التي يبني عليها اللحام توصيفه، لكن المهم أن هكذا تملق مباشر لا يقدم أية إضافة للجمهور المستمع، وليس متوقعاً أن إدارة الأكاديمية قد قامت بدعوة اللحام ليستمعوا لمثل هذا الثناء، فأية مؤسسة أكاديمية محترمة تقيم برامجها بهدف إثراء المجتمع الأكاديمي داخل المؤسسة، وثمة فرق واضح بين أن يبادر الكاتب إلى الكتابة ثناء على جهة ما في سياق معقول، وأن يتعمد محاضر إلى الهبوط بمستوى محاضرته إلى درك النفاق والمجاملة داخل مؤسسة أكاديمية دعته ليثري المجتمع الأكاديمي بإضافة نوعية.
الأغرب، من هبوط اللحام بمستوى محاضرته، وصف وكالته لوقع كلامه على الجمهور المستهدف بالمحاضرة: (فانتشى الجنود وهتفوا لفلسطين وصفقوا للوطن حين يتدفق على شكل ادرينالين في عروق حماة الوطن)، وهو وصف كما يظهر لا علاقة له بأي عرض صحافي مهني، وثمة تعمد واضح في هذه العبارة للنزوع صوب لغة أدبية، لكنها -ومع الأسف- ركيكة جداً، منزوعة الجزالة أو التصوير الفني، وتذكرنا بالقصص البوليسية المكتوبة للأطفال حصراً، وقد كان يفترض في وكالة لها جمهور واسع أن تربأ بنفسها عن هذا التسطيح الساذج وأن تحترم جمهورها في تقديم صياغة مهنية بلغة ذكية.
هذه اللغة الساذجة، والصياغة المفضوحة، تشكل الإطار العام للتقرير المنشور في (معاً)، كوصف التصفيق الذي التهبت به المحاضرة، أو رد اللحام على سؤال لابن الشهيد أحمد البلبول: (قسما بدم اباك الطاهر لسوف نصلي في القدس وانتم تحررونها بشرفكم العسكري) علماً بأن العبارة منقولة من (معاً) كما هي بما في ذلك الخطأ النحوي فيها، أو استعراض اللحام برفقة قيادات الأكاديمية للطابور وسرايا المجندين، وهو ما يضعنا ذهنياً مرة أخرى في مواجهة صحافة عربية خشبية لكنها هذه المرة تمجّد رئيس تحرير وكالة إخبارية لا زعيم ليبيا!
-
أما النص الذي ألهم هذه المقالة عنوانها، فهو عنوان (معاً) لتقريرها: (اللحام للمجندين بجامعة اريحا: انتم ومقاتلو حزب الله اطهر مقاتلي العرب)، وهو جدير بالنقد لمحاولة فهم أداء الإعلام الفلسطيني من خلال هذا النموذج الذي تقدمه (معاً):
لا شك أن قطاعاً من عناصر الأجهزة الأمنية، شارك بصورة فاعلة في انتفاضة الأقصى، رغم ما تلبست به هذه الأجهزة قبل انتفاضة الأقصى من ممارسات قمعية، وتنسيق أمني مع الاحتلال، ولا شك أن قطاعاً واسعاً من عناصر تلك الأجهزة من أبناء شعبنا الطيبين المخلصين، وأن التحاقهم بتلك الأجهزة إما حباً في الحياة العسكرية الشريفة فلم يجدوا أمامهم سوى هذا السبيل بالالتحاق بهذه الأجهزة، أو طلباً للرزق المتاح عبر الانخراط في إحدى الأجهزة الأمنية، لكن ذلك لن يبرئهم من الممارسات القمعية التي يقومون أو قد يقومون بها، كما أنه لا يوجد بعد، خاصة من بعد الانقسام إلى الآن ما يجيز منحهم هذا الوصف وقرنهم بحزب الله.
علل اللحام هذا القران بين مقاتلي الأجهزة الأمنية، ومقاتلي حزب الله، بقوله لهم: (ولا ارى اي فرق بينكم وبين مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان، هم حررواوطنهم وانتم ستحررون القدس باذن الله وسترفعون علم العروبة فوق الاقصى)، وهو قران كما لا يخفى فاسد شكلاً وموضوعاً، فمن حيث الشكل لم يحرر بعد مقاتلو الأجهزة الأمنية القدس، ومن حيث الموضوع لا تزال عقيدتهم قائمة على منع تحرير القدس لا على السعي لتحريرها سواء بالتنسيق الأمني، أو الممارسات القمعية، أو بالإدارة الإشرافية اللصيقة من طرف الأمريكان، أو بالمفاوضات التي تتبناها قيادة تلك الأجهزة.
وإذا كان اللحام يأنف عن، أو يخشى من، ذكر جهات مقاتلة أخرى في الساحة الفلسطينية، ربما بسبب حالة الانقسام، فإن مقاتلي الأجهزة الأمنية جزء من حالة الانقسام، وممارساتهم تكريس لهذا الانقسام، فضلاً عن أن حزب الله تورط منذ بضع سنوات إلى الآن في ممارسات داخلية مشكلة، ولو أنه ذكر مقاتلي الجهاد الإسلامي، أو بعض مقاتلي كتائب الأقصى، أو ذكر بتاريخ فتح الطويل والمشرف، لكان أقوم من التورط في هذا الإفساد للمنطق استرسالاً مع نزعة تملق معيبة.
إن لأي مؤسسة إعلامية صفة الشخصية العامة، وهي صفة ألصق بتلك المشهورة والتي تتمتع بمتابعة جمهور واسع، كوكالة (معاً)، وهو ما ينطبق على إدارة المؤسسة كذلك؛ خاصة إذا كان لها حضور إعلامي وهو ما يتوفر في شخص ناصر اللحام، وهو ما يلزمهم بتفهم أو قبول النقد، ولعل هذا النقد يحمل دعوة لتقدير أفضل من طرف (معاً) لذاتها وحضورها وتأثيرها، وبالتالي تلتزم بالمهنية المرجوة من هكذا وكالة إخبارية واسعة الانتشار، وتقديم منتج يحترم جمهورها برزانته وأمانته ومصداقيته.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...