حين تخاف إسرائيل

في الوقت الذي انكسر فيه حاجز الخوف، حتى انهار تماماً، لدى جميع الشعوب العربية في إطار ربيعها المستمر، منذ ما يقرب من سنة، يبدو أن حاجزاً للخوف من هذا الربيع ذاته، قد انتصب بالمقابل، داخل “إسرائيل”.
رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو نفسه، لم يستطع مواصلة التستر على هذا الحاجز “الإسرائيلي” الجديد، فصدر عنه أول تعليق له في هذا الشأن، أمام الكنيست في الأسبوع الماضي، منتقداً “كل السياسيين “الإسرائيليين”، وكل زعماء العالم الذين يؤيدون الثورات العربية”، متهماً الربيع العربي بأنه لا يسير إلى الأمام، بل إلى الوراء، حسب تعبيره.
إن مقياس “الأمام” بالنسبة إلى نتنياهو، هو بالضبط، في بقاء حاجز الخوف العربي، أما مقياس “الوراء” فهو انكسار هذا الحاجز، وانطلاق الحراك الشعبي العربي نحو الديمقراطية والحرية والتخلص من القمع والقهر، ومن الاحتلال.
يبدو أنه من الطبيعي على أية حال، أن كل ما يكون ربيعاً ثورياً للعرب، هو على الفور، كائن في شكل خريف مرعب ل”إسرائيل”.
إلى ذلك، تحدث نتنياهو علانية في السياق، عن حنينه الصريح إلى نظام حسني مبارك في مصر، ولا معنى لهذا الحنين سوى بكائه على أطلال حاجز الخوف العربي. وفي قراءة أعمق، إنه تلمّس مرتبك من جانبه لحاجز الخوف الذي انتصب داخل المجتمع “الإسرائيلي”.
على مدار نشأتها قبل ثلاثة وستين عاماً، أسست “إسرائيل” استراتيجيتها على وجود حاجز الخوف في النسيج المجتمعي العربي. فالشعوب العربية تخاف من أنظمتها الشمولية، وهذه الأنظمة تخاف من “إسرائيل”، والمحصلة وضع عربي كله بأدق تفاصيله، قائم على الخوف.
مع الربيع العربي، تخلخلت هذه المحصلة، ثم انقلبت رأساً على عقب. فالشعوب العربية لم تعد تخاف من أنظمتها، كما وجدت هذه الأنظمة نفسها في مواجهة أوضاع جديدة، وغير مسبوقة على الإطلاق، عبر التاريخ العربي المعاصر كله. فإما أن تتمكن من التوافق معها بالإصلاح والتغيير والسير على طريق الديمقراطية والحرية، وإما أن تسقط وترحل بكل تراكماتها المتيبسة وبخوفها المزمن من “إسرائيل”، ومن يقف إلى جانب العدوان “الإسرائيلي”.
ولا بد في هذا التحليل، من التذكير المركّز بأن كثيراً من الإشارات كانت تصدر، ما بين حين وآخر، عن بعض المعلقين والمحللين لوقائع وأحوال الربيع العربي، إلى أن هذه الوقائع والأحوال ذاتها، كادت تخلو في أغلبية شعاراتها وهتافاتها، فضلاً عن برامجها المعلنة، من التعاطي مع القضية الفلسطينية. ولعل “إسرائيل” وحدها كانت هي الأكثر متابعة لهذه الإشارات بالذات، ما جعلها تظنّ معها أن الربيع العربي سيكون ربيعاً لها أيضاً، وهو ما كان سبباً في تأخر التعليق الأخير لنتنياهو.
لقد اكتشف نتنياهو، وسوف يكتشف غيره من ساسة “إسرائيل”، والواقفين مع عدوانية وعنصرية “إسرائيل”، أن الربيع العربي ربيع كاسح للديكتاتورية وللعدوان وللاحتلال، وربيع مفعم بإرادة السلام القائم على العدل والحرية والتطور واستعادة الحقوق المسلوبة. ووفق هذا الاكتشاف يتسارع المزيد من الوعي الحضاري بتحطم وانهيار حاجز الخوف العربي، بقدر ما تتسارع وتائر الرعب “الإسرائيلي” من هذا كله، طالما أن المجتمع “الإسرائيلي” مايزال في مجمله العام، متمترساً خلف غطرسته العسكرية النووية ورفضه للحقوق المترتبة على السلام، وطالما بقي على وهمه أنه “واحة الديمقراطية الوحيدة” في المنطقة، حيث يرى حسب هذا الوهم، أن ليس للشعوب العربية غير الصحراء وأنظمة الخوف والظلام.
مع الربيع العربي، رُفع الغطاء مرة وإلى الأبد، عن زيف هذه الواحة المزعومة، وهي الآن في مواجهة خوفها الشديد، تحت ثقل مرحلة جديدة لم يسبق لها أن عرفتها في المنطقة، وفي العالم كله.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...