ثمن الوحدة الفلسطينية

بالقدر الذي تُفرح المصالحة أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية وكل إنساني وحر في هذا العالم، فإنها تزعج “إسرائيل” وتفقدها صوابها، إذ إن الوحدة الوطنية تعني أن الفلسطينيين يضعون أقدامهم على السكّة الصحيحة الموصلة، مهما كانت طويلة ووعرة، إلى الأهداف التي قضى لأجلها آلاف الشهداء، وتحمّل الشعب في سبيلها صنوفاً شتى من القهر والتنكيل وكل أنواع المعاناة. لذلك كان من الطبيعي أن تخرج إلى شوارع الضفة الغربية وقطاع غزة تظاهرات الترحيب والفرح باللقاء الأخير بين محمود عباس وخالد مشعل وإعلانهما عن بدء مرحلة الشراكة والاتفاق على لقاء فصائلي موسّع الشهر المقبل لوضع أسس المصالحة الفلسطينية موضع التنفيذ.

من الطبيعي أيضاً أن نرى “إسرائيل” تشن غارات جوية عدوانية على قطاع غزة، ونسمع ردود الفعل الجنونية في “إسرائيل” ضد فكرة المصالحة، لأن “إسرائيل” ضد الوحدة الوطنية الفلسطينية من حيث المبدأ، ولهذا تهدّد وتتوعّد بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال تشكيل حكومة وحدة. ولو لم تكن “إسرائيل” ضد الوحدة الفلسطينية من حيث المبدأ، لتظاهرت بغير ذلك من خلال وضع شروط سياسية لحكومة فلسطينية يمكنها التعامل معها، على الأقل تحت سقف الاتفاقات السياسية التي تم توقيعها مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبخاصة في ظل صدور إشارات متلاحقة من قيادة “حماس” عن قبولها حلاً سياسياً قائماً على أساس “دولة على الأراضي المحتلة سنة 1967″، وكذلك ما تسرّب عن استعداد “حماس” لتبني المقاومة السلمية في مواجهة الاحتلال، الأمر الذي يقرّبها، إذا صحّت هذه التسريبات، من مواقف حركة “فتح” على المستوى التكتيكي في أحد وجوه الموقف السياسي.

“إسرائيل” لا تريد أساساً سياسياً ولو متدنّياً إذا كان منطلقاً من وحدة فلسطينية، وتفضّل رؤية الفلسطينيين منقسمين وتتعامل مع قسم منهم، ولا تمانع لو كان سقفه السياسي أعلى ما دام هذا السقف وهمياً ولا رصيد له على أرض الواقع.

آخر التهديدات الصادرة عن قادة “إسرائيل” قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة في حالة تشكيل وحدة وطنية فلسطينية، وهذا عدا كونه توجّهاً إرهابياً ذا صبغة سادية بشعة، يدلّل على المدى الذي بلغه الغضب الصهيوني من الوحدة الفلسطينية، وهذا الغضب لا يقتصر على الحكومة الصهيونية، بل يشمل الأحزاب والمؤسسات ووسائل الإعلام والكتّاب وكل مجال يجد فيه الصهيوني مناسبة لاتخاذ موقف تجاه الفلسطينيين أو العرب عموماً. ولعل الأسرى الفلسطينيين الذين يعيشون وجهاً لوجه مع السياسة العنصرية اليومية خبروا هذا الموقف من الوحدة، ويفهمون دلالة أن توافق إدارة السجن على حزمة مطالب للأسرى مقابل أن يفضّوا حلقات الطعام الجماعي، وأن يتناولوا طعامهم القليل فرادى فيبدو كل منهم في أطراف الساحة وكأنه يتيم على مائدة لئام، في مشهد يبعث البهجة على وجوه الجلادين.

هذا العداء الصهيوني المترسّخ أيديولوجياً يرتّب على الفلسطينيين شعباً وأحزاباً وقيادات، مسؤوليات تاريخية إزاء وحدتهم باعتبارها ضرورةً وشرطاً لبقاء شعلة التحرر الوطني متّقدة. على الفلسطينيين أن يتأكدوا أنهم يواجهون استحقاقات مصيرية في مرحلة فاصلة في تاريخ الأمة العربية التي يراد لها أن تنشغل بنفسها لكي تبقى منفّذة لقرارات وليست مقرّرة، ولكي تتحوّل إلى جسر لمصالح الآخرين على حساب أبنائها، وبهذا تبقى “إسرائيل” محافظة على تفوّقها لتضمن بقاءها، وهذا ليس سراً، بل سياسة لا يفوّت قادة الغرب مناسبة من دون أن يبوحوا بها.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية