الأحد 11/مايو/2025

دولة فلسطين واليونيسكو

دولة فلسطين واليونيسكو

يعدّ الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في منظمة “اليونيسكو” التابعة للأمم المتحدة إنجازاً كبيراً. فهو يجعل بإمكان السلطة الفلسطينية حماية المواقع التراثية والتاريخية والحضارية للفلسطينيين من خلال تسجيلها في لائحة التراث العالمي لدى “اليونيسكو” في مواجهة حملة صهيونية متواصلة للتهويد والعبرنة والأسرلة لطمس المعالم الفلسطينية وتزوير التاريخ، وإضفاء الصفة اليهودية على كل معلم فلسطيني وصولاً إلى الهدف المحوري للمشروع الصهيوني الاستعماري، وهو إقامة وطن قومي لليهود.

كان موقف الولايات المتحدة مُستَنْكراً وإن كان غير مستغرب، فلقد دأبت على الوقوف إلى جانب الكيان الصهيوني في كل المحافل ودعمه بكل أسباب القوة والغطرسة، وكل وسائل العدوان على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية. وهي تشحذ كل طاقاتها السياسية والدبلوماسية لإسقاط أي مطلب فلسطيني، وفي وضع لا تملك فيه حق النقض مثل “اليونيسكو”، مارست ضغوطاً كثيرة على عدد من الدول لثنيها عن دعم المطلب الفلسطيني، وهددت بإيقاف مساهمتها في المنظمة لو تمت الموافقة على الطلب، وهو ما نفذته فعلاً.

والولايات المتحدة التي عارضت الطلب الفلسطيني في “اليونيسكو” بررت اعتراضها على أساس أنه إعاقة لفرص السلام، والتفاف على المسار الوحيد لتحقيق الدولة الفلسطينية وهو المفاوضات. وهو ذات المبرر الذي ارتكز عليه أوباما في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهدد باستخدام حق النقض في مجلس الأمن لإسقاط الطلب الفلسطيني بعضوية الدولة، مؤكداً أن المسار الوحيد لتحقيق دولة فلسطينية هو المفاوضات.

ويبدو هذا التبرير خارج أي سياق منطقي وخارج سياق الواقع، فالمفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب الصلف الصهيوني، رغم أنها كانت عبثية وإضاعة للوقت الذي يستثمره الكيان الصهيوني في مواصلة بنائه المستعمرات الصهيونية لكي يقضي على أي أمل لدولة فلسطينية. والولايات المتحدة متضامنة إلى أبعد الحدود مع الكيان الصهيوني، إذ إن المفاوضات العبثية التي كانت ترعاها قد أسدل عليها الستار وأصبحت من الماضي، وقد أخفقت إخفاقاً ذريعاً في محاولة الحفاظ على استمرارية المفاوضات التي تجمّل صورتها باعتبارها راعية للسلام، ولم تستطع أن تقنع الكيان الصهيوني بتجميد مؤقت للاستيطان رغم ما قدمته من حوافز مغرية. فكيف تصر على اعتبار المفاوضات المسار الوحيد لقيام دولة فلسطينية؟

إن معنى ذلك أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في غياب المفاوضات، فهل أفضت المفاوضات التي استمرت سنوات طويلة إلى أي محصلة تنبئ بإمكانية قيام دولة فلسطينية؟ إن هذا الطرح لا معنى له ولا سند له وهو استخفاف بالقضية.

والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو، إلى أي حد يذهب العداء الأمريكي للقضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن أن تكون راعية للسلام؟ وهي تحمل هذا الكم من العداء للقضية الفلسطينية، إنها تحارب أي حضور للقضية الفلسطينية في مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان أو “اليونيسكو” أو غيرها.

ربما غاب عن البعض أن النظرة الأمريكية تلتقي مع النظرة الصهيونية وجدانياً قبل أن تلتقي معها سياسياً، في كون الولايات المتحدة تنظر إلى نفسها على أنها قدمت نموذجاً حضارياً قام على غزو أرض وإبادة أصحابها الأصليين، وأن الكيان الصهيوني نموذج مماثل لإقامة مشروع تعدّه حضارياً، وعدم الاكتراث بأصحاب الأرض الأصليين. وتنسى الولايات المتحدة أن الفرق بين الظرفين والموقعين كبير جداً، وأن الإرث الحضاري والثقافي والتاريخي لفلسطين كبير ومتصل بعمقها العربي.

وإذا كان الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في منظمة “اليونيسكو” إنجازاً كبيراً فهو خطوة ناجحة ولكنها ليست كافية، ويبقى المسار طويلاً ومعقداً أمام بقية الخطوات في سبيل إنجاز مشروع الدولة، ليس من خلال الأمم المتحدة فحسب، ولكنه واقع على الأرض.

إن محاولة الحصول على العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن، محاولة معروف مسبقاً أنها ستتعرض للرفض الأمريكي، ولكنها تظل خطوة جيدة. فهي وإن لم تحقق هدفها، تكشف عن سوء الموقف الأمريكي وتناقضه، مع ما ترفعه الولايات المتحدة من شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير. كما أنها تعرّي الولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي.

والقضية لا تقف عند هذا المنعطف، ولا تنتهي عند هذا الموقف، إذ لا بد من وضع استراتيجية فلسطينية متكاملة تجمع كل الأوراق الفلسطينية وكل الفصائل الفلسطينية وبلورة مسار متكامل يأخذ المعطيات والمستجدات في الاعتبار، ويقرأ الواقع بدقة ويجمع كل مرتكزات القوة. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا في إطار مصالحة فلسطينية مستكملة تتجاوز الشخصنة والفصائلية وتجمع العمل السياسي والعمل المقاوم، إذ من الممكن لأي حركة تحرير أن يكون لها جناحها السياسي وجناحها العسكري. ومن اللافت للنظر أن تبدو الصورة الفلسطينية صورة يتصادم فيها نهج السياسة الذي اختارته فتح، مع نهج المقاومة الذي اختارته حماس في وقت بدا فيه كلا النهجين مأزوماً.

وتظل الحقيقة الحاضرة دائماً أنّ الدولة الفلسطينية لا تنجزها على الأرض قرارات أممية ما لم تكن هناك آليات أممية فعّالة للتطبيق على الأرض. ومعروف أن الأمم المتحدة تحفل سجلاتها بقرارات كثيرة لم يُعِرْها الكيان الصهيوني اهتماماً، وليس لها أثر على أرض الواقع.

 صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات