الأحد 11/مايو/2025

المصالحة والأساس السياسي

المصالحة والأساس السياسي

أخيراً جاءت اللحظة المنتظرة وحصل اللقاء بين محمود عباس وخالد مشعل ليفتح صفحة جديدة بين حركتي “فتح” و”حماس”، وبين الضفة الغربية وقطاع غزة. كان مشهداً ينعش القلب أن نرى الشقيقين اللدودين يفردان ابتسامات عريضة ويتصافحان بحرارة.

لكننا نتذكّر أننا كتبنا بالروح التفاؤلية ذاتها في مارس/آذار 2008 عندما توصل ممثلو الحركتين إلى اتفاق مصالحة في صنعاء، قبل أن تعلن “فتح” أن ممثلها لم يكن مفوّضاً، وبالتالي تبخّرت الآمال. وكتبنا أيضاً كلمات راقصة حين التقى عباس ومشعل في القاهرة قبل ستة أشهر ووقعا اتفاق المصالحة على وقع الحراك الشعبي في الشوارع العربية، وببركات الثورة المصرية التي أطاحت إحدى عقبات المصالحة.

هل يعني هذا أن التفاؤل هذه المرّة ليس في مكانه أو ينبغي أن يكون حذراً ومحاطاً بالتحفظات؟ قد يكون هذا أفضل، لأن التجارب أقوى من المشاعر والغد ليس بوضوح اليوم الذي ليس بوضح أمس. يتساءل المرء في هكذا مناسبات عن قصر نظر المتخاصمين من الأخوة حيث يقذف أحدهم الآخر بأقذع الأوصاف ويرميه بأفظع الاتهامات، وهو في قرارة نفسه يعرف أن لحظة اللقاء قادمة لا محالة، ذلك أنهما ليسا شريكين في مؤسسة خاصة، بل يمثّلان شعباً لا يسمح لهما أن يعبثا بمصيره من خلال انقسام مفتوح.

ليس الآن وقت التفاؤل والتشاؤم أو التشاؤل، لكنه وقت التأمل والمراقبة لما ستؤول إليه هذه اللحظة الفاصلة في المسيرة الفلسطينية، لأن الاتفاق الجديد الذي سمّاه الطرفان “اتفاق الشراكة”. هذا الاتفاق ليس معزولاً بالتأكيد عن التطورات الإقليمية وحالة تسخين الجبهات الجارية في منطقة تتشكّل من جديد وتنتقل فيها قوى سياسية من معسكر مكثت فيه عقوداً إلى معسكر مضاد دخلت في عداء معه ردحاً طويلاً من الزمن.

يعرف الجميع أن لكل من الطرفين امتداده وعمقه الأيديولوجي والتحالفي أو ما يمكن تسميته المرجعية لمواقفه تكتيكاً واستراتيجية. هذه الامتدادات والأعماق جرت عليها تبدّلات دراماتيكية، وتحوّل المتحاربون فيها إلى متحالفين والمتحالفون إلى متحاربين، وفي بعضها وقع الجمل فكثرت السكاكين.

في مثل هكذا ظروف لا يكون الموقف من أي لقاء انطباعياً أو رومانسياً، فهي لحظة تقف فيها القضية الفلسطينية على مفترق طرق حاسم، ويبدو فيها المصير العربي بطابعه القومي على صفيح ملتهب، ومن قبيل التسطيح وربما السذاجة أن يجري النظر إلى أحداث زلزالية بمجهر رومانسي، ولا شك أننا نتأرجح الآن مع زلزال مازال يضرب، ولا يستطيع أحد توقّع نتائجه في أثنائه.

لا نستطيع إلا أن نفرح بأية خطوة اتفاق أو مصالحة، لأن هذا ما انتظرناه جميعاً، لكن قبل أن نفرح يجب أن نترقّب الأساس الذي ستتم على أساسه المصالحة، وفي هذا لا تهمنا مسألة المحاصصة وتقاسم السلطة في إطار الشراكة، بقدر ما هو أهم، ما البرنامج السياسي الفلسطيني القادم، هل هو برنامج تسوية بالمقاييس البائسة التي جرّبت مع تكريس الطلاق مع نهج المقاومة والثوابت؟

ثم هل هو تقاسم سلطة بالمعنى الوظيفي بين طرفين أم شراكة سياسية لكل مكونات الساحة الفلسطينية على أساس الحد الأدنى للمشروع الوطني التحرري الذي لا يغفل كون الاحتلال لايزال جزءاً من الهواء الذي يتنفسّه الفلسطينيون؟ لا بد من إثارة هذه الأسئلة لأن المصالحة على حساب القضية لا تقل ضرراً عن الانقسام، لا بل يمكن القول إن خلافاً على حق خير من اتفاق على باطل.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات