التفاؤل هذه المرة في نجاح المصالحة يغلب التشاؤم في الارتكاس في المكالحة

( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) الفتح (1)
بعد أكثر من ستة أشهر من توقيع المصالحة في القاهرة، يجري تحريك ملفِّها من جديد، خاصة بعد أن ظهر الفشل في الحصول على اعترافٍ دولي – ولو صورياً – في حَقِّنا في دولة على خُمُس مساحة فلسطين، مع مبادلة رؤوس الجبال التي يهيمن عليها المستوطنون والاحتلال شبراً بشبر في أرض بُورٍ قاحلة في النقب، بديلاً عن خيرة أراضي الضفة الغربية.
وقد تشاءم الكثيرون معتقدين أن فرصة نجاح المصالحة ضئيلة؛ استصحاباً لسبع سنوات عجاف، لم تَخْلُ فيها سنة من إبرام اتفاق، واستقراءً للواقع؛ إذْ ليس هناك ما يشير إلى رغبة حقيقية في المصالحة؛ بل العكس هو الذي حصل؛ إذْ زادتْ وتيرة الاستدعاءات والاعتقالات من الأجهزة المحسوبة على محمود عباس، وكان المنتظر أن تُطْوى صفحة الاعتقال السياسي، فيطلق سراح جميع المعتقلين على خلفية الانتماء السياسي والديني، ويُعاد إلى الوظائف كل الذين قامت السلطة بفصلهم تعسفاً وظلماً، وأن يسمحوا بإعادة فتح الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة التي تحتضن المكلومين والمعوزين، كما أن المطلوب هو وقف التعاون الأمني مع الاحتلال؛ ذلك التعاون الذي ذهب ضحيته العشرات من المجاهدين اعتقالاً واغتيالا، وغير ذلك من تصرفات البلاطجة والشَّبِّيحة والزعران في الضفة الغربية.
ومع ذلك؛ فإن هناك أملاً هذه المرة أن تنجح المصالحة؛ لأسباب معدودة، وفي مقدمتها أن صفقة الأسرى التي تُوِّجَتْ بفوزهم بأداء فريضة الحج في الساعة الأخيرة من الموسم، وإقدام أكثرهم على الزواج، قد جعل الشعب الفلسطيني ينحاز إلى المقاومة، وهو يرى إنجازاتها فيخَمْسِ سنين؛ كنساً للاحتلال عن صدورنا، وقضاء على الفلتان الذي هدَّد أرواحنا وأعراضنا وأموالنا، وصموداً في وجه الحصار والحوار، والشروع في إعادة الاعمار، ثم صَدَّاً للعدوان الدولي الذي ناف على ثلاثة أسابيع في معركة مجنونة، ثم في تلك الوفود التي جعلت من غزة مَحَجَّةً يشدون الرِّحال إليها، فَيُشِيدون بما يجدون من الحفاوة والنظام، وقد كانوا يتصورون أنهم يأتون لقومٍ جياع يعيشون في شَظَفٍ من العيش، وفي أعشاش خربة من الرَّدْم والخَيْش.
ثم إن الثورة العربية التي جاءت أثراً لانتفاضة الشعب الفلسطيني في وجه سلطته المأجورة بمقدار ما كان مُقاوِمةً للاحتلال الذي ابتدع هذه السلطة، فكانت من أدواته في قمع الشعب والمقاومة والدعوة الإسلامية…، إن تلك الثورة جاءت رِدْءاً للمقاومة، وجداراً يحمي ظهرها، ولئْن حَقَّقَتْ كلَّ تلك الإنجازات وحيدة في الميدان؛ إلا من ولاية الله ونصرته، فكيف إذا صار لها عمق عربي وإسلامي، بل ودولي؛ متمثلاً في قوافل المتضامنين والداعمين؟!!.
إن كل أولئك ينذر بنهاية مخزية وشيكة للسلطة وأزلامها، ما لم يتداركوا أمرهم بالإياب إلى المصالحة والشراكة، بعد أن فشلت المفاوضات عبر عقدين من السنين من أن تحقق إنجازاً، إلا الوفاء بجميع التعهدات للاحتلال، في مقابل سَرابٍ بِقِيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
إن آية الفتح قد نزلت تصف صلح الحديبية بأنه فتح مبين، ونصر عزيز، قد أهداه الله لنبيه والذين آمنوا، مع أن أكثر الصحابة قدرأوه لوناً من إعطاء الدنية في الدين، خاصة وقد انطوى على حرمانهم من الوصول إلى الحرم ذلك العام، وأن من جاءهم مسلماً مهاجراً بغير إذن وَلِيِّه وجب أن يردوه إلى مكة، وأن من رجع إلى مكة مرتداً لم يردوه إلينا، وقبل أن يجفُّ حِبْرُ التوقيع والإشهاد على الوثيقة إذا بأبي جندل يستغفل آسريه، ويهرب والحديد في يديه، حتى وصل إلى الحديبية، فقال والده سهيل بن عمرو المفاوض باسم المشركين: هذا أول من ينطبق عليه شرط الرَّدِّ، وقد رهن المضيَّ في الصلح برده، فلما استيأس النبي صلى الله عليه وسلم من استثنائه قال له:” يا أبا جندل: اصْبر واحتسبْ؛ فإن اللهَ سيجعلُ لك ولمن معك من المستضعفين فَرَجاً ومخرجاً…”.
وقد زاد من حَنَقِ السابقين الأولين على الصلح أن جعل والده يجره إليه وهو يصرخ: يا معشر المسلمين؛ تردونني إليهم يفتنونني في ديني؛ ولذلك لم يقم أحدٌ لينحر هَدْيَه، ويحلق رأسه، استعداداً للرجوع، ولكنه عليه الصلاة والسلام لمَّا أخذ بِنُصْحِ أم سلمة رضي الله عنها؛ قاموا إلى الإبل فنحروها، وحلق أكثرهم، وكاد بعضهم يقتل بعضاً غَمَّاً.
ولما نزلت سورة الفتح استنكر بعض الصحابة أن يكون كذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل هو أعظم الفتوح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراحِ عن بلادهم؛ (أيْ خافوا من عواقب الحرب، فدفعوكم بالاتفاق السياسي)، وقد رغبوا إليكم في الأمان، ورأوا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله عليهم، وردَّكم سالمين مأجورين، فهو أعظم الفتوح.
أنسيتم يوم أُحُدٍ؛ إذْ تُصْعِدون ولا تلوون على أَحَدٍ والرسول يدعوكم في أُخراكم؟!، أنسيتم يوم الخندق؛ إذْ جاؤوكم من فوقكم، ومن أسفل منكم، وإذْ زاغتِ الأبصار، وبلغتِ القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا.
وقد كان من نبأ المعتقلين المستضعفين في مكة أنْ جعلوا يُفلتون ويلتحقون بأبي بصير رضي الله عنه على شاطﺊ البحر، فلا تكاد تمرُّ بهم قافلة لقريش إلا قتلوا رجالها، وغنموا أموالها، فما كان من قريش إلا أن بعثت بالتنازل عن ذلك الشرط، وأن من فَرَّ إلى المدينة فليقبلوه، ولا يردوه؛ ذلك أن المستضعفين لمَّا تمايزوا من المشركين عذَّب الله الكافرين عذاباً أليماً؛ لأنهم صدوكم عن المسجد الحرام، وجعلوا الهَدْيَ معكوفاً أن يبلغ محلَّه.
ولم تَمْضِ سنتان على الحديبية حتى نقضت قريش ذلك الصلح، ودعمت أحلافها بني بكر على خزاعة الذين اختاروا حِلْفَنا، ففتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة عنوة، وعفا عن أهلها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
ويكاد صلحنا مع حركة فتح والمجموعات الملتصقة بها في مكة يحاكي صلح الحديبية، فقد وقع كل منهما عند البيت العتيق، ولم نستطع في عامنا ذاك أن نحج البيت، من جهة منعهم حجاجنا من الحصول على جوازات سفر، ثم إنهم راحوا يبحثون عن راغبين في الحج من الموالين لهم، ضاربين بقرعة الأوقاف هنا عُرْضَ الحائط، فَحِيل بين حجيج القطاع وبين ما يشتهون من أداء الركن والفريضة.
وإذا كان القضاء على سلطان قريش قد تراخى عامين؛ لأنها احترمت الصلح طيلة تلك الفترة؛ فإن القوم هنا لم يحترموه شهرين، وراحوا يطلقون العنان للشبيحة والبلطجية، فاحتملنا سفاهتهم وتفاهتهم شهرين آخرين، ثم كان الخلاص منهم في ثلاثة أيام، كما قيل لثمود قديماً: ” تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ” هود (65)، ثم أخذتهم صيحة واحدة، فكانوا كهشيم المحتضر.
إننا نخاطب المتخوفين اليوم من عواقب الصلح، وهم لا يعدونهفتحاً مبيناً، ولا نصراً عزيزاً، حسب اجتهادهم:
أنسيتم يوم جاءت السلطة بمقاولة أمنية في أوسلو، فجعلت أعزة أهلها أذلة، وإذا دخلوا قرية أفسدوها؟!
أنسيتم الفلتان الأمني الذي كان يقتل الشباب على اللحية، وقَتَلَ الصحفيين، وأئمة المساجد، ولم يَعُدْ شبرٌ واحدٌ آمناً من شرهم؟!.
ألا ترون أنهم قد تهربوا من الصلح سبع سنين، ثم جاؤوا صاغرين!!
إن الاعتقال السياسي، وملاحقة المقاومة، هو الذي عَبَّأ النفوس حَنَقاً، وحَرَّض على الخلاص، فظهروا كَبُرْجٍ من ورقٍ، لم يصمد لأول ريحٍ تهبُّ عليه؛ وإن ما يجري في الضفة اجترارٌ لتجربة فاشلة، يوشك أن تهب عليهم عواصفها، وإن التعذيب والاعتقال هو الذي يُبْقِي جَمْرَها تحت الرماد إلى أجل قريب، ويومها سيخرج المختطفون بتمريغ الأنوف في التراب، وستفتح الأبواب للجمعيات الخيرية، ويحصل الإياب، فنرى الوظائف وقد عادت لأهلها، والكائدون يقولون: تالله لقد آثركم الله علينا، وإن كنا لخاطئين.
إن مشكلة الأجهزة المنتفشة في الضفة كالزَّبَد فوق الماء ستنقشع يوم يتوقف عنهم الدعم الخارجي،، وهذا التوقف رهينٌ باستئناف المقاومة ضد الاحتلال، ولعل المصالحة تهيئ الأجواء لذلك، كما أننا متفائلون من الأنظمة الشرعية الجديد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...