الإثنين 12/مايو/2025

الشعب يريد المجلس الوطني الفلسطيني

الشعب يريد المجلس الوطني الفلسطيني

ينطلق هذا الأسبوع، وبجهود عدد كبير من المؤسسات والناشطين والأكاديميين الفلسطينيين، مشروع إعادة إحياء المجلس الوطني الفلسطيني. هذا المجلس الذي هُمش مراراً وتكراراً، وهُمشت معه حقوق الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

وجود المجلس الوطني الفلسطيني ونشاطه كان بنداً أساسياً في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وغيابه له عواقب عدة منها انتهاء أي مطالبة جادة بحق العودة وحدوث انقسامات داخلية على مستوى غير مسبوق، بالإضافة إلى غياب أي رؤية واضحة أو استراتيجية موحدة لنضال الشعب الفلسطيني.

يوجد حول العالم ما يقارب 10 مليون فلسطيني، من هؤلاء، فقط 40 % من الناخبين المؤهلين مسجلون للتصويت في الانتخابات التي تناساها الساسة وغابت عن وعي غالبية فلسطينيي الشتات، وخصوصاً تلك الأجيال التي لم تعرف إلا الشتات. أربعون في المئة هو عدد ليس ببسيط، ولكن توفير السبل للـ 60 % الباقين والمؤهلين للتصويت سيعطي أي انتخابات وزناً لا يمكن تجاهله، وسيفرض نفسه بقوة على القياديين الفلسطينيين في معتركهم الداخلي، وفي تحركاتهم الدولية. بوجود مجلس منتخب، أو بالأحرى بمجرد حدوث انتخابات، سيكون من الصعب عدم الامتثال لمطالب الشعب الفلسطيني. في نفس الوقت لن يستطيع المجتمع الدولي التلاعب بمصير الفلسطينيين والتحكم بالقوى الداخلية.

بفضل جهود المجتمع المدني الفلسطيني الدولي، وبالاستفادة مما تتيحه الإنترنت من قدرات تواصل تتاح بشكل غير مسبوق على هذا النطاق، من الواقعي تماماً تنظيم انتخابات شاملة يشارك فيها جميع الفلسطينيين في العالم. بل إن البنية التحتية اللازمة قد تم بناؤها من قبل مختصين، وهي الآن موجودة وجاهزة. هذه البنية آمنة تماماً وستمكن الفلسطينيين أينما كانوا من الإدلاء بأصواتهم. بما أن هذه المبادرة فلسطينية تماماً ونابعة من صلب التجربة الفلسطينية، تم الأخذ بالاعتبار خلال بناء نظام التصويت حساسيات وخاصيات مجتمعات الشتات الفلسطينية المختلفة. فمثلاً يمكن للناخبين التصويت بسرية تامة تجنبهم أية حساسيات ممكن أن تنتج عن مشاركة في نشاط مدني فلسطيني.

على صعيد دولي، حصول انتخابات شاملة للمجلس الوطني الفلسطيني يحد من فعالية استراتيجيات “إسرائيل” وأمريكا التي تهدف إلى حصر الحوار الفلسطيني الإسرائيلي بسياق ثنائي يفرض شروطه ومعاييره الإسرائيليون. وهو من ناحية أخرى يضيف بعداً استراتيجياً للحوار، حيث أن بُعد فلسطينيي الخارج عن العيش تحت الضغوطات الإسرائيلية التي يعانيها الأهل في الداخل، يعني التركيز على أهداف استراتيجية وعدم التأثر بالعراقيل والألاعيب الإسرائيلية المستمرة. فالقرب الشديد يحصر مدى الرؤية، بينما الإطلاع عن بعد يمنح ميزة رؤية الصورة بأكلمها.

في المجتمعات الديمقراطية الحقة تقع المسؤولية على الفرد لممارسة حقه، لا بل واجبه الديمقراطي. بالنسبة للفلسطينيين، وفي ظل غياب التمثيل الدستوري، تأخذ هذه المسؤولية أبعاداً طارئة ومصيرية، وتناسيها أمر ينسجم تماماً مع المشروع الصهيوني لتغييب وتغريب الفلسطينيين عن وطنهم وإعادة توطينهم أينما كان. من جهة أخرى، وعلى المدى بعيد، من الممكن جداً تطور أي حراك ديمقراطي فلسطيني في بلاد الشتات إلى قوى سياسية فاعلة.

لم يخفَ على أحد الوجود القوي للقضية الفلسطينية في شعارات وهتافات الثوار في هذا العام الذي خلخل بلا رجعة موازين القوى في المنطقة. الثورات العربية عبرت عن صحوة ستكون على الأغلب عميقة وحقيقية، وخلق عملية انتخابية بمبادرة المجتمع المدني الفلسطيني هو امتداد طبيعي وضروري للحراك العربي، ولربما يكون تتويجاً للصحوة العربية.

هذا المشروع ليس حملة أو مشروع تدفعه منظمات غربية لها أجنداتها، تريد “تثقيفنا وتعليمنا الديمقراطية”. إنه مشروع للمجتمع المدني الفلسطيني مستقل تماماً عن أية أحزاب أو جهات سياسية. والأهم من هذا أنه سيتيح للكثير من الفلسطينيين، وخصوصاً الأجيال الجديدة، فرصة المشاركة في صنع القرار، وتثبيت الشعور بالانتماء للقضية الفلسطينية وهو بهذا مشروع يملكه الفلسطينيون جميعاً، في جميع أنحاء العالم.

* كاتب من الأردن

صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات