الإثنين 12/مايو/2025

عبد الحكيم القدح .. ابتسامةٌ رغم الجراح (تقرير)

عبد الحكيم القدح .. ابتسامةٌ رغم الجراح (تقرير)

تتشابه قصة المعتقل السياسي عبد الحكيم واصف القدح ( 48عامًا)، مع قصص الكثير من أبناء المقاومة في الضفة الغربية؛ من حيث قسوة التعذيب، وطول فترات الاعتقال لدى أجهزة السلطة، إلا أنّ أكثر ما يميز بطلنا، ابتسامته الدائمة في مواجهة ابتلاءاته رغم كل الجراح التي غيبته عن أهله وإخوانه عديد السنوات.

فبعد عدة اعتقالات تناوبت عليها أجهزة السلطة وقوات الاحتلال، عادت أجهزة السلطة واعتقلته بعد أقل من شهر على الإفراج عنه من سجونها، لتقدمه لمحاكمها العسكرية ثانيةً، وتحكم عليه بالسجن لخمس سنوات، غير قابلة للنقض أو الاستئناف؟!!.

الميلاد والنشأة

ولد عبد الحكيم واصف القدح، بمدينة نابلس في (21/11/1964)، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة “أبو العلاء المعري”، وتحوَّل في تعليمه الإعدادي إلى المدرسة الصناعية، ليمتهن النجارة، إلا أنه ما لبث أن غادرها، لوزارة الأوقاف مؤذنًا في مسجد “الحاجة عفيفة ملحس”.

بدأ القدح التزامه الفكري مبكرًا وهو في الـ16 من عمره، وانتظم في “جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين”، في بداية الثمانينيات، وهو ابن 18 عامًا، بعد أن نهل من معين فكرها الصافي، ومن دروس الشيخ القيادي حامد البيتاوي.

وما لبثت في تلك السنوات، أن اندلعت انتفاضة الحجارة في (8/12/1987)، فكان القدح من بواكير من شاركوا فيها، بصفوف حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وجناحها الضارب “السواعد الرامية”.

كاد عبد الحكيم ينال الشهادة خلال المواجهات مع قوات الاحتلال، بعد أن أُصيب بخمسة أعيرة نارية، من القوات الخاصة الصهيونية، خلال مشاركته في أول مسيرة انطلقت لحركة حماس في نابلس في (21/7/1988)، واحد في ظهره، واثنين في خاصرته، واثنين في رِجله اليسرى، ومكث ما يزيد عن شهر في قسم العناية المكثفة بمستشفى الاتحاد، وما أن تم له الشفاء، حتى عاد ليكمل مشواره في ذات الطريق، ليضعه الاحتلال على قائمة مطلوبيه.

اعتقالاتـــه

وفي (12/10/1992) كان القدح المكنى بأبي إسلام، على موعد مع اعتقاله الأول، بعد أن داهمت قوات الاحتلال منزله في البلدة القديمة من نابلس، لتقتاده إلى مركز تحقيق وسجن الفارعة شمال المدينة، خضع فيه لتحقيق قاسٍ، وتعذيب جسدي ونفسي، إلا أنه لم يسفر عن اعترافه بشيء، ليفرج عنه بعدها بشهرين.

ذاق أبو إسلام مضاضة اعتقالات ذوي القربى مبكرًا؛ ففي العام 1996، طالته في حملة اعتقالات استهدفت عددًا من قيادات الحركة من بينهم: (جمال منصور وجمال سليم ويوسف السركجي وصلاح دروزة …)، وتعرض فيها القدح للتعذيب، للإفصاح عما لديه من معلومات عن الجناح العسكري لحركة حماس، ومكث في السجن ستة أشهر، خرج منها كما دخل.

كان القدح يعتبر من أبرز القادة الميدانيين للحركة في نابلس، ما جعله على رأس المطلوبين لأجهزة أمن السلطة، عقب الانقسام في (14/6/2007)، فقامت باعتقاله في (20/8/2007) بعد أن داهمت منزله أكثر من 15 دورية تابعة لأجهزتها، واقتادته إلى سجن جنيد، وهناك خضع لتحقيق جسدي ونفسي قاسٍ، وللضرب المبرح بالأسلاك المعدنية، والأنابيب البلاستيكية المقوَّاة، والشَّبح والحرمان من النوم المتواصل على مدار الساعة، لمدة زادت عن الـ 14 يومًا، ووضع في زنزانة انفرادية لمدة 120 يومًا، كما منع من الاستحمام لشهرين متتابعين.

استمر اعتقال القدح والتحقيق معه لدى جهاز المخابرات ما يزيد عن ستة أشهر، أُفرج عنه بعدها بحالة صحية سيئة، وقبل أن ينال مجاهدنا قسطًا من الراحة، وتحديدًا في 18/2/2008م داهمت قوات الاحتلال منزله واعتقلته وحولته إلى الاعتقال الإداري، وهو مسلسل الضريبة التي يدفعها أبناء شعبنا تحت سياط معادلة التنسيق الأمني المهينة، ليمكث في ذلك الاعتقال حتى نهاية العام 2009م.

وبعد خروجه من سجون الاحتلال، أعيد اختطافه في شهر 12/2009 من قبل الأمن الوقائي، بعد مداهمة منزله في وضح النهار، وتم اقتياده إلى مقر الجهاز في جبل الطور، وهناك صادروا هويته وأفرجوا عنه بعدها، وطالبوه بالعودة بعد ثلاثة أيام إلى سجن جنيد، لأمر كان يدبر له!!.

وبعد وصوله إلى السجن، اُدخل إلى أقبية التحقيق التي حُضِّرت له، ومكث في زنازينها ما يزيد عن 70 يومًا، تعرض خلالها لضغط جسدي ونفسي هائل، وجولات طويلة من الشَّبح والضرب المبرح، حولته إلى ركام إنسان.

المحاكمة

وبعد حوالي ثلاثة أشهر، وفي (22/3/2010)، تم اقتياده إلى محكمةٍ عسكريةٍ وجهت له تهمة “مناهضة السلطة”، وحكمت عليه بالسجن لمدة عام، مع احتساب المدة السابقة التي قضاها قبل اعتقاله من قبل الاحتلال، غير قابلة للنقض أو الاستئناف، وتم ترحيله بعدها إلى الجنيد.

وبعد أقل من عشرين يومًا على خروجه من ذلك الاعتقال، وفي (25/4/2010)، كان منزله بعد صلاة العشاء، ساحة اقتحام جديد لتلك الأجهزة، التي اعتقلته وزجَّت به في مراكز تحقيق الجنيد مجددًا، ليصبَّ ثانية العذاب عليه صبًّا، فَقَدَ خلالها الوعي عدة مرات، وبقي في زنازينه 80 يومًا، قامت بعدها الأجهزة بعرضه على ذات المحكمة، وبعد تسعة أشهر من الأخذ والرد في قضيته، أصدرت محكمة ظالمة بتاريخ 19/1/2011م قرارًا بسجنه لمدة خمس سنوات، بتهمة “مناهضة السلطة” كذلك.

طوى المختطف عبد الحكيم القدح إلى الآن، شهره الـ 18 من اعتقاله الأخير، بقلب راضٍ بقضاء الله، غير عابئ بما لاقى من محن، تعلوه بسمته الدائمة، في انتظار لقاء المصالحة القادم، علّه يعيده إلى ابنته التي ما فتئت ترفع صورته معتصمةً في كل حين، تنتظره بشوق وحنين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات