فلسطين بكامل حروفها

تستعيد فلسطين اسمها كاملاً في المشهد الإعلامي والسياسي العالمي، مرة أخرى، بعد كل محاولات تمزيق حروفها، عربياً ودولياً وحتى من أبنائها ورافعي لواء قضيتها، ورغم كل المتغيرات الواسعة في أكثر من مكان، قريب وبعيد من أرضها وعنوانها ومكانتها، وتحول الأولويات والمهمات والقضايا التي تشغل الصراعات والمصالح والتكتلات. لم يكن اسم فلسطين مطروحاً بهذه الصورة لفترة غير قصيرة ولأسباب كثيرة وجهود مكثفة، وبلا شك أن وضعه بهذه الصورة أمام الجميع أمر مهم وضروري للتذكير بالظلم التاريخي والقضية والقانون وحكم التاريخ والجغرافيا والمصالح.
تقديم فلسطين ملفها إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها لطلب عضويتها كاملة ورد الولايات المتحدة الأميركية بالرفض الكامل مسبقاً، وتخطيطها بكل قوتها لوأد الطلب وعدم فسح المجال أمامه، ووضع الفشل نتيجة واضحة بحكم موازين القوى الدولية والتدخلات والتداخلات السريعة والأولوية لها بين القوى المتنفذة في مجلس الأمن والقضايا الكثيرة التي تشغل الصراعات الدولية اليوم فصلاً جديداً وإضافياً لمسيرة القضية وتطوراتها.
ولكن هذا ليس أول فشل للقضية الفلسطينية في مجال الصراعات الدولية والمحلية، وليس الأخير أيضاً، بينما تظل عزيمة الشعب الفلسطيني وإرادته تعيد القضية بكامل حروفها إلى الواجهة مرة أخرى أو مرات إلى حين تحقيق حقوقها الكاملة والعادلة والمشروعة. ويجري التساؤل هنا داخلياً وعربياً عن الدور والقيادة والحركة الوطنية ومهمات التحرر الوطني والاحتلال وحكم التاريخ واستعادته، وغيرها من الأسئلة المؤجلة في هذا المقال.
هناك أسئلة أخرى ملحة ومهمة تحيط بالقضية وتطالب بحقها في الإجابة الصريحة. فلسطين قضية شعب طال زمن تغييبها واستخدامها حسب حاجتها وظروفها عربياً ودولياً. الخارطة الجغرافية تحاول نسيان أو تمويه التاريخ، وتعمل على تضييع البوصلة والاسم والمسعى. هناك قناعات كثيرة لدى أطراف عديدة بالرضوخ للأمر الواقع والانحناء أمامه دون أي تفكير جدي بالممكنات والإرادات والاحتمالات والخيارات الأخرى. لقد رضي غير قليل من أصحاب القرار والمال والنفط العربي والإسلامي والمعاهدات العسكرية والقواعد الاستراتيجية، بما هم عليه من تكديس الثروات وخفوت الثورات داخل بلدانهم، وساهم بالتأثير على مسار القضية وتوجهاتها. وجاءت المتغيرات العاجلة في فصول هذا العام الأولى لتحرك فيهم حواس الحفاظ على مواقعهم ومراكزهم والتعود على الصمت وانتهاج التهرب من الوقائع إلى التراضي مع السياسات الأميركية العدوانية والتواطؤ والانحناء لرياح الضغوط الصهيوأميركية أساساً. والجميع عرف بالموقف الأميركي المباشر والصريح. وأدرك أن الجواب معروف عنوانه، فلماذا الاستمرار فيه بلا جدران حامية له، وقوى كافية لدعمه، محملة بقوتها المعروفة وإمكاناتها الكبيرة ومصالحها القادرة على أن تضع الجهود كلها قادرة في تحديد مساره وتصحيح اتجاهه؟.
الجميع تحدث عن تهديد الولايات المتحدة بالفيتو في مجلس الأمن لتعطيل الطلب الفلسطيني لعضوية الأمم المتحدة، ومحاولات وأسلوب تقنيته داخل أروقة مجلس الأمن، لتسهيل مهمة واشنطن ورفع اضطرارها إلى استخدام الفيتو، وتجنيب إدارة أوباما تحمل المسؤولية الوحيدة والسافرة عن قهر حلم الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير في السنة نفسها التي يحتفي فيها أوباما بما سمته الإدارة الأميركية بالربيع العربي، كما كتبت وسائل إعلام غربية وبينت الصورة كاملة دون رتوش أو ضباب. وهذا ما حصل، فلا واشنطن ولا قواعدها الاستراتيجية العسكرية والسياسية تريد أن تضع نفسها في حرج مكشوف رغم كل دعمها وعدوانها وخططها وانتهاكاتها ضد حقوق الشعوب بعامة والفلسطيني بخاصة، فلماذا الانتظار طويلاً؟ ولماذا عدم التحرك الجاد لفرض الأمر عليها بقوة مصالحها ومصالح قوتها وضغوطها، والانصياع لها بعد كل هذا التاريخ الطويل؟.
لاسيما وقد أعطت منظمة اليونيسكو نموذجاً كاملاً للمشهد السياسي الدولي وصراعاته القائمة، وبينت وسائل الضغط والإرادة فيها. تحدت المنظمة في موقفها وتصويتها وإرادتها في إقرار خيار الشعب الفلسطيني فيها، وعبدّت بكل معاني وصول فلسطين لعضويتها الطريق إلى الشرعية القانونية والدولية واستثمار الانتفاضات والثورات العربية والمتغيرات الدولية فيها بشكلها المشروع. محققة نصراً سياسياً واضحاً لفلسطين اسماً وموقعاً وقضية. وقدمت في مواجهتها للتهديدات الأميركية وضغوطها إمكانية يسيرة في معادلة الأرقام والمواقف والضغوط. ومنحت عضوية فلسطين فرصة ذهبية تسمح بالانضمام إلى منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة، وتمكين الفلسطينيين من ضم بعض مواقعهم التاريخية والأثرية إلى المواقع المصنفة تراثاً إنسانياً بالتمتع بحماية المنظمة الدولية. كاشفة أيضا صورة عن صراعات الدول الأوروبية خصوصاً، من خلال تصويت فرنسا بنعم في وقت امتناع أو رفض دول أخرى.
كما أشارت وسائل إعلام أميركية خصوصاً لموقف الرفض الأميركي وتهديداته وما دل عليه من عزلة دولية حاصرت الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي. وفضحت شعارات الإدارة الأميركية في إحلال السلام في المنطقة ومصداقيتها في تطبيق بياناتها السابقة حول الدولة الفلسطينية. ورغم ذلك فإن قبول عضوية فلسطين في المنظمة رد على كل ادعاءات وتخوفات وتسهيل رفع الحرج عن الإدارة الأميركية وتصعيد غضب الشوارع العربية والإسلامية ضدها والانتباه لمخططاتها ومحاولاتها في تمرير الثورة المضادة وإجهاض الصعود الثوري.
حصلت فلسطين على عضوية منظمة مهمة وأساسية تفسح مجالات واسعة أمام نشاطات وأفعال كثيرة وكبيرة لدعم الكفاح الوطني الفلسطيني، وفشلت في الحصول على عضوية الأمم المتحدة ورفع علمها واسمها داخل مبنى الأمم المتحدة هذه المرة وهذا العام، وفي الحالتين عرت سياسة الإدارة الأميركية بشكل فاضح أمام العالم كله، مشكلة وصمة إضافية للإدارة الأميركية ولسياساتها الداخلية والخارجية. وهي في الوقت نفسه تؤشر للضرورة السياسية والتاريخية للقيادة الفلسطينية والعربية والإسلامية في إعادة النظر في منهجها السياسي ومعالجاتها للقضية وتحالفاتها ومصالحها الراهنة والمستقبلية، ودون ذلك فان أمام فلسطين والعرب والعالم مرحلة أخرى من نكران حقوق الشعوب واستهانة صارخة فيها وإساءة للقانون الدولي والضمير الإنساني.
كاتب صحفي عربي – لندن
صحيفة الوطن العمانية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

15 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....