سراب عضوية اليونيسكو

الآن وقد سكتت دفوف الفرحة بعضوية فلسطين في اليونيسكو، علينا أن نفكّر بهدوء في طبيعة الحدث وأبعاده. معذرة، لديّ رأي أو رؤية مختلفة تماماً، رغم أنني شاركت الإخوة فرحتهم. لقد لاحت الصورة لناظري رسماً كاريكاتورياً.

عندما نقلّب الأمر على وجوهه، ونرسل البصر خارج المشهد، يرجع البصر حسيراً كسيراً، فقد حُفّت جنّة العضوية بمكاره الدعابة السوداء: شخص جرّدوه من ثيابه عشرات السنين، بعد ذلك أعطوه زرّ قميص. ماذا يفعل به؟ إنسان أفقدوه بصره ستين عاماً، ثم وضعوا بين يديه نظارات طبية. ما نفعها؟ أسرة هدموا بيتها وتركوها في العراء بلا مأوى طوال ستة عقود، ثم أعادوا إليها مفتاح البيت. تفتح به الهواء؟ ما هكذا تستعاد الحقوق السليبة يا إخوتي.

ما يغيظني في هذا الحدث، هو السخرية الخفية في الخلفية. فمنظمة اليونيسكو تُعنى بالمواقع الأثرية، في أغلب الأحيان، لا بالشعوب ذات القضية، ظمآن يتحرّق إلى الماء الزلال، فيأتونه بقربة ماء ملح أجاج.

قد تكون اليونيسكو على حق، فبيوت الفلسطينيين أطلال وآثار وخراب يباب. لكن الشعب الفلسطيني ليس رسماً عافياً بالياً ليقفوا عليه باكين. ما أهمية اليونيسكو؟ ما وزنها في ميزان القوى. ضعوها في كفّة وفي الأخرى الفيتو، ثم انظروا كيف كانت عاقبة المفاوضين على مر السنين. ضحك من الذقون.

كل الثناء على الدول التي وقفت إلى جانب المظلوم، وخيبت ظنون الغاصب وحماته. لكن ما هكذا تُنصر القضايا. ما هكذا الحزم في الشدائد. في العالم الإسلامي سبع وخمسون دولة، تستطيع استنهاض الهمم، في منظمة الأمم، ولو بشراء الذمم. متى كانت كواليس السياسات دار القيم؟ هكذا يفعل الساسة منذ القدم.

هل تستطيع اليونيسكو إعادة أصغر قرية في فلسطين المحتلة إلى أهلها المشردين في المشارق والمغارب؟ ماذا بقي من الحلول لدى أصحاب الحق إذاً؟ لا شيء سوى أخذ حقوقهم بأنفسهم، فقد أثبت التفاوض أنه طعام تضوى به الأجسام. نكد على الأحرار خدعة من خدع الكبار.

لا يحسبنّ شرفاء الفلسطينيين أن عضوية اليونيسكو انتصار. ولا تخدعنّهم البالونات الجوفاء. ستزداد المنظمة التربوية العلمية الثقافية شكوى وأنيناً جرّاء خروج واشنطن منها وانقطاع المدد المادي. وستصبح العضوية عبثية في ناد مغلق.

ما قصدت من وراء هذا الحديث تنغيص الفرحة على الأشقاء. فمرامي هو أن يأتوا بيوت الانتصار لقضيتهم من أبوابها. العضوية من هذا القبيل قبض سراب، وليست حلولاً حيوية عضوية.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية