الإثنين 12/مايو/2025

لقاء عباس – مشعل والإجابة عن الأسئلة فوق الخلافية

لقاء عباس – مشعل والإجابة عن الأسئلة فوق الخلافية

الرئيس الفلسطيني ومستشاروه هذه الأيام يتحدثون كثيراً عن اللقاء الذي سيجمعه بالسيد خالد مشعل وهو اهتمام غير طبيعي ولا معتاد ويعكس ضرورته بالنسبة لعباس الذي اعتدناه إما ممتنعاً أو متشرطاً على لقاء السيد مشعل.. في نفس الوقت تتوالى أخبار اجتماعات السيد عباس ومستشاريه مع الرباعية الدولية لإيجاد مدخل جديد لاستئناف عملية التسوية المتعطلة منذ عدة سنوات كشفت عبثها وضيق أفقها..

وبقدر ما بين اللقاء بمشعل والكلام عن التسوية من تناقض وما يفترض أنه سيضع عباس بين خيارين متباعدين وبقدر ما يقلل أحدهما فرصة الآخر إلا أن السيد عباس يبدو مصراً عليهما كليهما.. ليس المظنون أن عباس يراهن على تحويل موقف السيد مشعل لصالح التسوية وليس من المنطقي أن يراهن على كلمته – مشعل – يوم المصالحة التي أراد أن يفهم منها أنه يوافقه على المفاوضات لمدة سنة.. ولكن الأرجح أنه يراهن على إحراج السيد مشعل بمطالبته بإتمام المصالحة على أساس الانتخابات التشريعية والرئاسية.. وهو ما صرح به “ياسر عبد ربه” في تعليقه على أهمية اللقاء وما يجب أن يتمخض عنه.. عندما قال: “المصالحة يجب أن تعيد للشعب دوره حتى لا تتحكم الفصائل في القرار الوطني”.. وأقول:

هذا يعني أن الانتخابات في نظر السيد عباس ومن حوله هي الحل لكل المشكل الفلسطيني من الانقسام إلى الاحتلال.. وربما يظن البعض أن الدعوة لهذه الانتخابات دعوة عادلة وبريئة وأنها الحل لكل الخلافات كما في كل دول العالم.. وهذا غير صحيح وهو قياس في غير محله.. لأن الانتخابات تقوم أساساً على المغالبة لا على الاتفاق والتفاهم فإن نفع ذلك في دول مستقرة ولها دستور جامع وناظم لنوعية وحدود الخلافات بين الاتجاهات والأحزاب فهو لا يصلح في مثل الشعب الفلسطيني الذي يحتاج ليس لمغالبة جديدة يستعلي فيها أحد الفرقاء على الآخرين ويجتاح مشاريعهم وبدون دستور ناظم ومحدد وتصل الخلافات بين الاتجاهات أن يخون أحدهم الآخر وينسق مع العدو ضده.

الشعب الفلسطيني بحاجة لاتفاق يقلص الخلافات ويحدد المثيرات ويثبت الاحترام المتبادل بين الفصائل التي صار بينها ما صنع الحداد.. ولتوضيح ما نقول لنتخيل أن فتح – السلطة – فازت في الانتخابات التشريعية والرئاسية وأخذت الجمل بما حمل ثم ذهبت في اليوم التالي واتفقت مع العدو على إعطائه نفوذاً على غزة كما تعطيه على الضفة، وأتبعت ذلك بالتنسيق المخابراتي معه كما في الضفة أيضاً.. فهل ستكون قد حلت المشكلة أم عقدتها؟ وهل ستقبل حماس بذلك حتى لو فرضنا أنها أقلية أو كانت تتجسد في شخص واحد فرد رأسه؟

هذا التحدي لا تحله إذن المصالحة على أساس الانتخابات، وليس له حالات مشابهة في أي دولة مستقرة ذات دستور ناظم.. ومن هنا فالانتخابات لا تصلح منطلقاً لحل الخلافات الفلسطينية.. وهو منطق أقرت به فتح في المصالحة عندما قبلت بإرجاء الانتخابات وأن تسبقها خطوات كثيرة من التفاهم واستعادة الثقة، وقبلت أن يكون موعد الانتخابات متأخراً عن موعد التوقيع..

المسألة ليست تحل بالانتخابات.. وسواء كانت نتيجتها لصالح حماس أو فتح.. والقضية ليست قضية جدال أو مساجلات كلامية ولكنها قضية عملية وواقعية وماثلة في الحال الفلسطيني، ولدينا نموذجان – غزة والضفة – للنظر في فرق البرامج وما يستتبع ذلك الفرق من فروق على الحال الوطني.. ولدينا أيضاً انتخابات 2006 التي كانت موصوفة ومشهودة من حيث الشفافية ونسبة المشاركة فيها وكيف أدت لحرب فصائلية ثم للانقسام الذي لم يكن قبل ذلك..

إذا أريد للقاء (عباس – مشعل) أن يثمر نتائج حقيقية وأن ينتج تحولات تاريخية ومصيرية قد صارت ضرورية ولا تحتمل التأخير فإن ثمة أسئلة جوهرية صارت على لسان كل فلسطيني اليوم، وصار لا بد أن يتفق على إجابتها وأن تثبت على رأس المصالحة.. وهي فوق التنازع الحزبي، وفوق معايير كل فريق على حدة، وفوق الخلافات، ويجب أن تؤسس للاستراتيجية الفلسطينية الجديدة.. وبدونها فليبق الانقسام الذي هو بدون الإجابة عليها الشر الأهون والخطأ الأقل..

الشعب الفلسطيني يسأل اليوم: ماذا بعد فشل عملية التسوية؟ وإلى متى ستبقى السلطة في المرفأ الصهيوني؟ ومتى يصبح تفكيكها لازما لا محيد عنه؟ وما مصير المقاومة وغزة في حال فوز فتح أو فوز حماس بالانتخابات؟

فإن كان الجواب أن ما بعد التسوية تسوية، وأن ما بعد المفاوضات مفاوضات، وأن الحياة الفلسطينية مفاوضات في مفاوضات فلا داعي للقاء إذن، ولا ثمرة منه، ولا من الانتخابات التي ستتمخض عنه ولا من المصالحة كلها.. وإن كان الجواب أن السلطة ستظل في المرفأ الصهيوني دائماً بصرف النظر عن كل الاعتبارات وبمعنى أنها ستظل خاضعة للتدخل الصهيوني والتنسيق المخابراتي، وأن المجلس التشريعي وتوازناته ونسب الأكثرية والأقلية فيه ستظل تحت رحمة وإرادة العدو، وأن رئيس السلطة سيظل عاجزاً عن حضور اجتماع عربي أو إقليمي لصالح قضيته كما حدث أيام العدوان على غزة.. فلا داعي للقاء إذن، ولا ثمرة منه، ولا من الانتخابات التي ستتمخض عنه ولا من المصالحة كلها.. وإن كان الجواب أن المقاومة ممنوعة في كل الأحوال، وكان ما قاله عباس في ستراسبورغ يوم 20/4/2009 من أنه “حتى لو فازت حماس بالتشريعي والرئاسة فلن يسمح لها بإطلاق الصواريخ وجر الشعب الفلسطيني إلى المواجهة” أقول إذا كان هذا الموقف من المقاومة نهائيا .. فلا داعي للقاء إذن ، ولا ثمرة منه ، ولا من الانتخابات التي ستتمخض عنه ولا من المصالحة كلها .. وإذا كان الجواب أن غزة ستصير مثل الضفة تطارَد فيها المقاومة ويُصفى فيها القادة وتُصادَر فيها الأسلحة .. فلا داعي للقاء إذن ، ولا ثمرة منه ، ولا من الانتخابات التي ستتمخض عنه ولا من المصالحة كلها ..

وبالعودة للانتخابات.. فهي أولاً: ليست ضمانة على شيء ؛ لأن كل هذه الأمور “الفوق خلافية” لا تخضع لمعايير الأكثرية والأقلية، وثانياً: لأن فلسطين ليست مستقلة وليس لها دستور ناظم، ولأن وراء كل صوت انتخابي وكل حجر في وادي تربصا صهيونياً، ثالثاً: ولأن الانتخابات قد جربت في ظل عدم الاتفاق على برنامج سياسي “الحد الأدنى” فأدت لحرب فصائلية كادت تؤدي لحرب أهلية وأدت لمزيد من الانقسام، رابعاً: لأن العدو لن يسمح لحماس أن تفوز!! ولا ينكر أحد أن الأمر بيده، وأنه يستطيع التدخل جراحياً عند اللزوم لمنع ذلك وأنا على يقين أنه لو فعل ذلك فلن يتراجع عباس عن إجراء الانتخابات، وربما يعتبرها الفرصة لعزل حماس وهزيمتها.. ولست أبالغ إذا قلت والأرجح أن يرتب ذلك مع العدو كما رتب أموراً كثيرة ضد حماس.. خامساً: لأن النيات وحدها حتى لو صدقت والتعهدات الكلامية وحدها مهما كثرت فلا يمكن الوثوق بها بالأخص وهي تصدر عمن لا يملك أمر نفسه وعمن جربت مصداقيته.. والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، والعاجز هو تماماً كالمفرط سواء بسواء من حيث النتيجة والمحصلة الفعلية.

الحقيقة أن الشعب الفلسطيني بحاجة لاستراتيجية جديدة تقوم على أساس أن عملية التسوية قد فشلت، وأن السلطة قد باتت معوقاً للمشروع الوطني الفلسطيني ولم تعد أكثر من هيئة في خدمة الاحتلال، وأن الزمن يسير ويتطاول لصالح التهويد والاستيطان، وأن المقاومة أثبتت جدارة تستحق الاعتراف بها وبقيمها وبمبرراتها، وأن غزة صارت رغم أنف العدو معادل ردع له ونواة للتحرير الكامل وشبه محررة، وأن العالم العربي بات يتغير لصالح الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني إن توحد على قلب برنامج سياسي واحد فإن العالم العربي سيقف معه تصعيداً وتخفيضاً ورسمياً وشعبياً راغباً أو مضطراً بما يستحث العالم للضغط على العدو وبما يقفز بالقضية الفلسطينية إلى موضع الاهتمام العالمي الرسمي والشعبي..

آخر القول: من الخطأ والخطر اختزال المشكل بين فتح وحماس في الانقسام الذي أبعد غزة عن الضفة بقدر ما أبعد حماس عن فتح، وجاء نتيجة لخلافات لا بداية لها، ومن الخطأ والخطر توهم أن الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تفوض الغالب منهما بالتحكم في خيارات ورؤية ومصالح المغلوب ويتحكم العدو في إجرائها ونتائجها ستحل هذه الخلافات، ومن الخطأ والخطر تجاهل الأسئلة “فوق الخلافية” التي يجب أن يجاب عليها قبل أية مصالحة وأي انتخابات، ولا بد أن يقوم عليها برنامج الحد الأدنى، ومن الخطر والخطأ أن يتمحور أي لقاء وعلى أي مستوى حول سبل الالتفاف على القضايا الأساسية بالكلام في التقاسم والتنافس.

[email protected]

 صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....