الأحد 11/مايو/2025

عباس وسيناريو عرفات

عباس وسيناريو عرفات

الحملة التي يشنّها وزير الخارجية “الإسرائيلي” أفيغدور ليبرمان وغيره من قادة “إسرائيل” على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وآخرها الدعوة التي أطلقها ليبرمان علناً للتخلص منه، تعيد إنتاج حملة مشابهة طغت على المشهد “الإسرائيلي” ضد الزعيم الراحل ياسر عرفات بعدما فشلت أمريكا و”إسرائيل” في فرض الاستسلام عليه في مفاوضات كامب ديفيد الثانية سنة 2000.

كان عرفات قد حصل على جائزة نوبل للسلام لدوره في التوصّل إلى اتفاقيات أوسلو التي كان عرفات نفسه يعترف بأنها “مجحفة”، أي أنها تصبّ في مصلحة “إسرائيل”، لكنّه كان يأمل بأن تشكّل مقدّمة لإنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية، في حين عملت “إسرائيل”، عبر كل حكوماتها وأحزابها الرئيسة، لكي تجعل منها حلاً نهائياً يبقي فلسطين الوطن والأرض في قبضة المشروع الصهيوني، لينطلق منها كجسر تطبيع نحو العالم العربي وصولاً إلى “إسرائيل الكبرى”.

وقد نجحت إلى حد ما في التغلغل في بعض الدول العربية على إيقاع “معزوفة السلام” التي سادت في تلك المرحلة، ومشاهد اللقاءات والمصافحات والصور التذكارية، قبل أن تعود العدوانية “الإسرائيلية” لتكشّر عن أنيابها وتعبّر عن نفسها بارتكاب المجازر في جنين ونابلس وغزة ولبنان، وتتنكّر لكل الاتفاقات الموقّعة.

 “إسرائيل” واكبت تلك الحقبة وبثت سمومها في ثناياها، وكثّفت التحريض الإعلامي المرافق لحملات المستوى السياسي الذي رسم إزاء عرفات منحنى تصاعدياً بدأ بوصفه “غير ذي صلة”، ثم “ليس شريكاً”، قبل أن ترتفع النغمة عن دعمه لما يسمى “الإرهاب” التي أتبعت بحصاره بعد تقليم المقاطعة والإبقاء على المكتب الخاص بالرئيس وغرفة نومه. نتذكّر حينها الكلام الذي نقل عن شاؤول موفاز عن ضرورة التخلص من عرفات، ونتذكّر نقاشاً بنفس العنوان بين رئيس حكومة “إسرائيل” وقتها أرييل شارون والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، وصولاً إلى النهاية الدرامية المعروفة للزعيم الفلسطيني التاريخي، وقد تحدّث باحثون “إسرائيليون” عن مسؤولية “إسرائيل” في تلك النهاية المسمومة للرجل. 

اليوم تكرر “إسرائيل” حملتها عبر ليبرمان الذي يخرج كل يوم وعبر وسائل إعلام مختلفة ومناسبات متنوعة، ليتّهم عباس بأنه “عقبة في طريق السلام”، وهذا كلام مفهوم بالنظر إلى ماهية السلام الذي يدور في ذهن زعيم حزب ترحيلي وصل إلى المنصب الدبلوماسي الأول في حكومة على مقاسه وأيديولوجيته ومرحلته التاريخية المتوائمة مع تواطؤ تشارك فيه جهات إقليمية ودولية كثيرة.

ليبرمان يقول إنه طالما عباس في منصبه فإنه لا يمكن التوصل إلى سلام. وهذا النص نفسه استخدم بحق الراحل عرفات. إذاً، هذه دعوة صريحة إلى التخلّص من الرجل، إذ يعرف ليبرمان وغيره في “إسرائيل” وما بعدها ووراءها، أن “إسرائيل” لا تستطيع أن تملي على الفلسطينيين من يقودهم أو يمثّلهم، وإذا لزم الأمر فإنهم يدافعون عن قيادتهم بكل السبل عندما يتعرّضون لحملة “إسرائيلية” عدوانية كهذه، وهذا ينطبق أيضاً على من يختلفون مع هذه القيادة وسياستها ويرفضون اتفاقاتها السياسية مع “إسرائيل”، لأن الاستهداف “الإسرائيلي” يمس كرامة الشعب الفلسطيني الذي قدّم التضحيات وقاتل في كل الساحات لأجلها. ليس من أخلاقيات شعب مناضل حر أن يسمح للعدو بأن يستهدف قيادته مهما كان الاختلاف معها، والفلسطينيون قادرون على محاسبة أي كان بلا أي تدخّل، وبخاصة من “إسرائيل”.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات