الأربعاء 14/مايو/2025

درس جزائري في فن تبادل الأسرى

درس جزائري في فن تبادل الأسرى

عندما تتعهد “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” بمواصلة الجهاد للإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين بمناسبة الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني في إطار صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، فإن علينا أن نتوقع محاولات دؤوبة لأسر جنود إسرائيليين في المستقبل القريب.

السيد “أبو عبيدة” الناطق الرسمي باسم الكتائب أوضح هذه المسألة بجلاء أثناء كلمته التي ألقاها يوم أمس ترحيباً بالأسرى المحررين عندما قال “لن يهدأ للكتائب بال حتى تغلق السجون من خلف الأسرى البواسل والأسيرات الماجدات بإذن الله”، وهذا يعني أن هناك خططاً مماثلة لتلك التي أدت إلى أسر الجندي شاليط قبل خمس سنوات.

ومن الصعب الجزم بأن هذه الخطط قابلة للتنفيذ فوراً أو بعد أشهر، فعملية الأسر هذه ليست سهلة، كما أن القوات الإسرائيلية تعلم مسبقاً بنوايا كتائب القسام ومخططاتها لأنها لم تعد سراً، فتحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن جندي واحد صفقة مغرية تستحق التكرار إذا تأتى ذلك للكتائب وعناصرها.

ما يجعلنا نعتقد أن تكرار هذه العملية ممكناً هو الخبرة العملياتية الكبيرة التي باتت متوفرة لكتائب القسام وفصائل فلسطينية أخرى متحالفة معها، ليس على صعيد حفر الأنفاق والوصول إلى القواعد والمواقع العسكرية الإسرائيلية فقط، وإنما في ميدان الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين في أماكن سرية بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعملائها.

الاحتفاظ بالجندي شاليط في مكان سري مجهول طوال خمس سنوات في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلاً مربعاً مهمة اعجازية بكل المقاييس، إذا وضعنا في اعتبارنا ما تملكه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من عملاء على الأرض وأجهزة مراقبة وتنصت حديثة ومتطورة جداً.

صفقة التبادل الأخيرة، مثلها تماماً مثل الصفقات المماثلة التي سبقتها، أثبتت أن أسر الجنود الإسرائيليين هو الطريقة الأمثل والأقصر للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فصفقات التبادل بين فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية أدت إلى الإفراج عن 7000 أسير عربي وفلسطيني مقابل ستة جنود إسرائيليين أحياء، ورفات ثلاثة آخرين.

وربما يجادل البعض كثيراً هذه الأيام بان الإفراج عن ألف أسير فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد يظهر مدى أهمية المواطن الإسرائيلي مقابل نظيره العربي وقيمته الفعلية، وهذا ربما يكون صحيحاً، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن هذه المعادلة المنقوصة والمهينة جاءت بسبب ضعف الموقف العربي والتفوق الإسرائيلي الكبير، وهي معادلة في طريقها للتغيير في ظل الثورات العربية التي كسرت حاجز الخوف، وأعادت للمواطن العربي كرامته وعزته.

هناك سوابق في التاريخ تكشف أن ما كان يحدث في الماضي في أيام النهوض العربي والإسلامي كان العكس تماماً، حيث كان الأسير العربي يبادل بالمئات من الأسرى الأوروبيين، ونحن نشير هنا إلى القرن الثامن عشر عندما كان البحارة الجزائريون والمغاربة يسيطرون على البحر الأبيض المتوسط، ويقبلون بالإفراج عن المئات بل الآلاف من الأسرى الفرنجة لديهم لاستعادة أسير مسلم لدى السلطات الأوروبية في ذلك الوقت.

ومع ذلك يمكن الرد بأن “إسرائيل” بما تملكه من قوة وتفوق عسكري ومن ثم خنوع عربي في المقابل، تستطيع أن تعتقل العشرات يومياً من الفلسطينيين وتزج بهم في السجون دون محاكمات أو بتهم ملفقة، وهذا ما يفسر وجود ثمانية آلاف أسير لديها حالياً، بينما لا يستطيع العرب وخصوصاً الفلسطينيين ، أسر أي جندي إسرائيلي إلا بصعوبة كبيرة.

صفقة التبادل التي احتفل بها الفلسطينيون والعرب جميعاً يوم أمس هي انتصار للمقاومة الفلسطينية وسياسة النفس الطويل وعدم الرضوخ لأساليب الإرهاب والابتزاز الإسرائيلية، وعلينا أن نتذكر أن الصراع العربي – الإسرائيلي صراع طويل ومستمر طالما أن كل أبواب السلام قد أغلقت بسبب غرور القوة الإسرائيلي المدعوم أمريكياً وأوروبياً.

من شاهد وجه نتنياهو وهو يتحدث في المؤتمر الصحافي الذي عقده بمناسبة الإفراج عن شاليط يدرك حجم الهزيمة التي ألحقت به عندما قدم تنازلات لم يقدمها سلفه إيهود أولمرت قائد كاديما حتى أن شاليط نفسه قاوم عناقه ولم يكن فرحاً باستقباله (أي نتنياهو) له.

لا نعرف متى سنحتفل بصفقة تبادل أخرى تحقق فرحة الإفراج عن أسرى عرب جدد، ولكن ما نحن متأكدون منه أنها قادمة لا محالة، طالما أن هناك قناعة ترسخت عند فصائل المقاومة أن الاستجداء لا يفرج عن الأسرى، بل المقاومة وحدها فقط.

صحيفة القدس العربي اللندنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...