المصالحة.. أي اختراق؟

الدعوة المصرية للفلسطينيين إلى اغتنام فرصة الإنجاز الكبير المتحقق من خلال صفقة تبادل ألف من الأسرى الفلسطينيين وسبع وعشرين أسيرة، بالجندي “الإسرائيلي” الأسير غلعاد شاليت، والاستفادة منها في تحقيق اختراق على مستوى المصالحة الفلسطينية، التي ارتفعت معنوياتنا جميعاً بسماع نبأ توقيع اتفاقها في مصر الثورة، أواخر إبريل/نيسان وأوائل مايو/أيار الماضيين، جاءت في وقتها، رغم أنها قد تصطدم بحالة من انعدام استقرار الساحة الفلسطينية الداخلية، التي يراد للوضع فيها التصعيد لا التهدئة، وإثارة النفوس بدلاً من تأليفها.

مع الإعلان عن توقيع اتفاق تبادل الأسرى، وبدءاً من لحظات إعلان القائمة الأولى للمشمولين بالصفقة، بدا وكأن أطرافاً داخلية وإقليمية تأبى إلا أن تستثمر المسألة في إيغار صدور الفلسطينيين ضد بعضهم، من خلال أحاديث يفترض أنها بلا قيمة عن انتماءات الأسرى المشمولين وأعدادهم، إلى غير ذلك من غمز ولمز، حول “فصائلية الصفقة” حيناً، و”تفرد” البعض الفلسطيني من دون الكل في رسم ملامحها.

وفي ظل هذا المشهد الذي أريد له أن يكون متشابكاً ومشتبكاً، ومع تحول الإنجاز الفلسطيني الذي سيشكل علامة في تاريخ نضال الفلسطينيين، سواء اتفقنا مع هذا الطرف أو ذاك في الساحة الفلسطينية، إلى بيئة خصبة للمناكفات والمزايدات غير البريئة بين قطبي السياسة الفلسطينيين “فتح” و”حماس”، بمشاركة أطراف لا يحسب لها إلا تأجيج الأوضاع الداخلية، واحتراف دق الأسافين وزرع الخلافات، فإن الدعوة المصرية المعلنة إلى التقدم خطوة جديدة على سكة المصالحة الفلسطينية مهدّدة بالذهاب أدراج الرياح.

في فلسطين هناك من يبادر، وهناك أيضاً من يسعى من موقعه إلى تغيير الواقع المنقسم على ذاته، والمتشظي والمنكوب بعقلية المؤامرة والمزايدة والمناكفة السياسية، وهناك أيضاً من يغامر بإطالة أمد الانقسام، وكأنه مصلحة شخصية، أو مكسب ذاتي.

الوثيقة الجديدة التي عرضتها مجموعة “دعم وتطوير مسار المصالحة الفلسطينية” على القاهرة، جاءت شاملة، وركزت على مفاصل الخلاف، واضعة رؤية توفيقية لإنجاز المصالحة، في إطار خمس زوايا هي، البرنامج السياسي الفلسطيني، والحكومة، والأمن، والتمثيل السياسي، والقضاء وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان. وتُولي أهمية لإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيام السلطة بدورها كأداة بيد المنظمة، إضافة إلى بلورة قواسم مشتركة تجسّد “ركائز المصلحة الوطنية العليا” لدعم وترسيخ وجود برنامج سياسي يرتكز على أهداف استراتيجية هي تمكين الشعب من ممارسة حقه في تقرير المصير، وحل مشكلة اللاجئين بما يتضمن حق العودة والتعويض، وضمان حقوق فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948، وتدعو إلى الإسراع بتشكيل الحكومة، وتحديد دورها عبر التوافق على قضايا جوهرية، وترى أن مسألة التمثيل السياسي مرتبطة بإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أساس إعادة صياغة الميثاق الوطني، إلى جانب إجراء الانتخابات المحلية قبل انتخابات المجلسين الوطني والتشريعي.

الوثيقة المذكورة لا تخرج بأي حال عن مسار المصالحة المأمول، لكن الاستمرار في نهج المزايدات والمناكفات، أو السماح لطارئين على المشهد الفلسطيني بالتحكم في مسار ووجهة الصوت الفلسطيني الرسمي والفصائلي، لن يسمحا بالاستمرار في مسيرة المصالحة وإنهاء الانقسام الذي أدمى الفلسطينيين على مدى خمسة أعوام، والمطلوب إسكات الأصوات الخارجة على توجهات وإرادة الشعب الفلسطيني الحقيقية التي لم ولن تقبل يوماً الانقسام على الذات، وتوجيه السلاح الوطني إلى الداخل، والبناء سريعاً على الخطوة الأولى المتمثلة بتوقيع اتفاق المصالحة.

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية