عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

يوم لفلسطين .. كل فلسطين

يوم لفلسطين .. كل فلسطين

عشنا وعاش الفلسطينيون فرحة لا توصف، بتحرير الكوكبة الأولى من الأسرى والأسيرات الذين (واللواتي)، أمضوا زهرة العمر في زنازين الاحتلال والعنصرية، فرحة تردد صداها في القدس وغزة والضفة وداخل الخط الأخضر وخارج الوطن المحتل والمحاصر، في مختلف أقطار اللجوء وساحات الشتات والمنافي، فرحة مفعمة برائحة النصر المضمخ بالتضحيات الجسام، التي دفعها الشعب الفلسطيني من دم أبنائه وعرقهم وقوت يومهم.

أمس كان يوماً لفلسطين، كل فلسطين، البعض نظر إليه كيوم لحماس، وأصر على إدراجه في أضيق «الخانات الفصائلية»، أمس كان اليوم الأمثل، لطي صفحات وفتح أخرى، طي صفحة الانقسام، وفتح صفحة الحوار والمصالحة الوحدة الوطنية، بعد أن توحدت المشاعر و«دقات» القلوب في طول البلاد وعرضها، وفي أرجاء الشتات الأربع.

أمس كان يوماً لفلسطين، كل فلسطين، البعض نظر إليه كيوم للاحتفال، وهو كذلك، بيد أنه يوم للتفكير والتأمل كذلك، فما زال لدينا ألوف الأحباء خلف القضبان، ما زالت لدينا مناضلات وحرائر في زنازين الفاشية الجديدة، ما زال الوطن بجملته أسيراً، ما زال مشوار الحرية طويلاً وبعيداً.

أمسن كان يوماً لفلسطين، كل فلسطين، شارك فيه الشعب بمجمله المحررين وذويهم، فرحتهم الغامرة بالحرية ولم الشمل، لكنه كان أيضاً يوماً للتضامن مع أسر الشهداء والجرحى والأسرى الآخرين الذين لم يحالفهم الحظ هذه المرة، كان يوم تجديد الالتزام بقضية الأسرى حتى «تبيّض السجون»، يوم تجديد العهد على تحرير الأرض والإنسان، والظفر بالحرية والاستقلال، حلم الشعب الفلسطيني خلال الذي لم يخبُ طوال المائة عام الأخيرة.

أمسن كان يوماً لفلسطين، كل فلسطين، يوم تذرفُ فيه دموع الفرح بعد أن ذرفت دموع الحزن والمرارة والألم طوال سنوات وعقود، يوم لم تشبه أية شائبة، ولم تعكر صفوه سوى نظرات من بقي خلف القضبان وتنهدات ذويهم وعيونهم التي تنتظر اللحظة بلهفة، وفيها من العتب والحزن، ما يكفي لاختراق العروق والشرايين والأوردة.

لم أحظ بشرف استقبال هؤلاء، لكنني استرجعت تجربة مماثلة زمن عملية النورس، عندما ذهبنا إلى ليبيا لاستقبال الأبطال المحررين، هناك في معسكر على طول البحر، التقينا برفاق وأصدقاء، لم نرهم يوماً، سمعنا عنهم وعن بطولاتهم، سمعنا عن صبرهم وجلدهم، سمعنا عن روح التضحية الوثّابة في عروقهم وأفئدتهم.

يومها، أتيح لي أن التقي بأسرى من فصائل مختلفة وجنسيات عربية مختلفة، وحده كوزو أوكوموتو كان مختلفاً، هو الياباني الوحيد، أو بالأحرى غير العربي الوحيد، المفرج عنه، كان هزيلاً وفاقداً الوعي، لا يدري ما يدور حوله لشدة التعذيب، ولسنوات العزل الانفرادي المديدة، يومها ظل الرجل يردد كلمات غامضة، ولم يكن يأنس إلا لرفيق زنزانته الأخيرة، قبل أن يدرك فجر الحرية ويلتحق برفاقه وأصدقائه.

يومها، حدثنا أصحاب المؤبدات المكررة، المحكومون بمدد زمنية تقاس بمئات السنين عن تجربتهم الاعتقالية، سألت أحدهم عن السر الذي يدفع المحاكم الاحتلالية لإصدار هذه الأحكام، مع أن مؤبداً واحداً يكفي ويزيد، قال لي أحدهم بكل بساطة: إنهم يريدون أن يقنعونا بأن كيانهم سيستمر طوال هذه المدة، هم يعرفون أننا سنموت قبل أن نقضي أحكامنا، ولكنهم يريدون التأكد من بقاء كيانهم، ولو بقوة و»شرعية» أحكامهم الاحتلالية الجائرة، رأيت أنها وجهة نظر وجيهة، وأن «العامل النفسي» و»الرغبة في التأكد بأنك ستبقى على قيد الحياة» يمكن أن تكون «أسباباً موجبة» لبعض الأحكام القضائية، كتلك التي تصدرها محاكم الاحتلال العنصرية.

يومها، لاحظت أيضاً أن معظم المحررين لا يسيرون في خط مستقيم على طول المعسكر، مع أن المعسكر مترامي الأطراف، وأمواج البحر تغري بالسير والهرولة، كانوا يسيرون عشر خطوات للأمام ومثلها تقريباً للوراء، سألت عن السر وراء ذلك، قالوا أنها العادة، لسنوات طوال، لم نعتقد السير أكثر من عشر خطوات في اتجاه واحد، هذه هي المساحة المتاحة في السجن، وسنحتاج لفترة طويلة، قبل أن نألف السير مسافات بعيدة في اتجاه واحد.

لقد تحدثنا عن «كلفة شاليط» وتوقفنا أمام الحاجة لاستراتيجية فلسطينية جديدة للتعامل مع قضية الأسرى، لا يجوز أن نبقي هذا الملف مغلقاً عشر سنوات أو عشرين سنة أخرى، نريد استراتيجية متعددة الطبقات والمسارات والمسالك، حقوقية وسياسية ودبلوماسية وإعلامية، نريد حراكاً شعبياً يضع قضية الأسرى في صدارة أولوياته، نريد أن نبدأ صبيحة اليوم التالي في صياغة وترجمة هذه الاستراتيجية، هذا هو الوفاء لمن ظلوا خلف القضبان، هذا هو العهد والقسم الذي يقطعه على نفسه، كل أسير محرر وهو يودع رفاقه المتبقين خلفه، نريد أن نخلص لهذا العهد وأن نلتزم بهذا القسم.

صحيفة الدستور الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...