أبعاد إحراق مسجد طوبا الزنغرية في فلسطين المحتلة

وكان من بين تلك الاعتداءات هدم مسجد الصحوة في بلدة راهط وسط منطقة النقب بجنوب فلسطين، وإحراق مسجد قرية إبطن في قضاء حيفا، ودس قنبلة في مسجد الحاج عبد الله في حي الحليصة في حيفا، واستهداف مسجد حسن بيك التاريخي في يافا، إضافة إلى تعرض مسجد البحر بمدينة طبرية لمحاولة إحراق عام 2009.
فكيف انطلق مسلسل استهداف التاريخ والذاكرة والمقدسات، وهل جاءت تلك الاعتداءات من فراغ، ودون رعاية أو توجيه من قبل عصابات يهودية لا علاقة لها بالقرار في تل أبيب أو بأي من أجهزة الأمن “الإسرائيلية”، أم أنها جاءت بالفعل في سياق السياسات “الإسرائيلية” المعلنة والهادفة لطمس وتدمير الوجود العربي الفلسطيني الإسلامي والمسيحي، والقضاء على تراث الوطن الفلسطيني من خلال استهداف المقدسات والمقابر والمزارات وغيرها داخل المناطق المحتلة عام 1948 من فلسطين؟
عود على بدء
كان أولها جرف مساحات واسعة من مقبرة مأمن الله في مدينة القدس لإقامة متحف “للتسامح” على أنقاض قبور وعظام الفلسطينيين (لاحظوا العبارة: متحف للتسامح على قبور ورفات أبناء فلسطين)، علمًا بأن المقبرة مقامة منذ الفتح العمري والعهد الأموي وتضم رفات عدد كبير من الصحابة كعبادة بن الصامت، إضافة إلى قبور آلاف الشهداء.
وكان ثانيها ضم الحرم الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن إلى ما يسمى بـ”التراث اليهودي” في سعي حثيث لشطب تاريخ شعب فلسطين فوق هذه الأرض وفي تزييف فظ للتاريخ، واغتيال المستقبل الفلسطيني ومحو الحقيقة القائمة على الأرض، وتغيير معالمها.
وكان ثالثها عملية هدم منزل مفتي فلسطين المرحوم الحاج محمد أمين الحسيني في مدينة القدس المحتلة وما يمثله المكان المستهدف من رمزية عالية ليس عند الفلسطينيين فحسب، بل عند عموم العرب والمسلمين، وتحويله إلى فندق (شبيرد) في استهداف واضح للذاكرة الوطنية الفلسطينية، ولقيم المقاومة التي كان يحملها شخص المفتي في فلسطين، فضلاً عن كونها إزالة لقيمة رمزية وتاريخية في مدينة القدس.
وأتبعت تلك الاعتداءات بقيام مجموعات من قطعان المستوطنين الصهاينة بإحراق عدد من المساجد ودور العبادة في عدة قرى وبلدات في الضفة الغربية، كان من بينها مسجد الأنبياء في قرية بيت فجار المجاورة لمدينة بيت لحم يوم الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2010، ومسجد قرية اللبن الشرقية، وإحراق مسجد قرية المغير، وإحراق مسجد حسن الخضر الكبير في بلدة ياسوف قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية، حين استهدفته مجموعة من عصابات المستوطنين فقامت بإحراق أجزاء كبيرة منه، بعدما حطمت الباب الرئيسي للمسجد وسكبت البنزين داخله، وقد التهمت النيران مكتبة المسجد الخاصة بالمصاحف كلها، ومسجد قرية قصرة قضاء نابلس… إلخ.
مساجد القرى والمدن المدمرة
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي مدينة صفد -وهي مدينة غير مختلطة بعد أن أجبر كل سكانها على مغادرتها عام النكبة بفعل عملية التطهير العرقي التي استهدفتها- وقضائها -وهو القضاء الأكبر في فلسطين من حيث عدد القرى المدمرة- كان هناك قبل النكبة 14 مسجدًا تم تدمير معظمها كليًّا، وبقيت منها خمسة مساجد فقط كان مصيرها الزوال أو التحوير، منها المسجد الأحمر الذي بناه الظاهر بيبرس وهو معلم أثري وديني، وقد تم بيعه من قبل سلطات الاحتلال لجمعية يهودية حولته إلى مرقص وناد ليلي.
وقد أصبح مسجد اليونس ويقع وسط مدينة صفد، بعد النكبة معرضًا للرسوم والتماثيل. أما مسجد الغار وكان من أشهر المساجد في مدينة صفد فقد حُوِّل إلى كنيس يهودي، وكذلك مسجد حارة الجورة.
وفي مدينة طبرية -وهي مدينة غير مختلطة كمدينة صفد بعد أن أجبر كل سكانها على الرحيل عام 1948- بقي مسجدان، المسجد الزيداني الذي يعتبر تحفة فنية جمالية وهندسية وما زال مغلقًا، ومسجد البحر الذي حولته سلطات الاحتلال إلى متحف. ومن بين المساجد التي تتميز بعراقة تاريخية وهندسة معمارية نجد في طبرية المسجد العمري المغلق.
مساجد المدن المختلطة
وفي مدينة عكا ما زال مسجد الجزار التاريخي المعروف مغلقًا ومهملاً ويتعرض منذ عام النكبة لاعتداءات الصهاينة خصوصًا المتطرفين منهم. وقد حُوِّل مسجد البرج إلى مؤسسة للطلبة الجامعيين اليهود، وما زال مسجد اللبابيدي مغلقا منذ عام 1948.
أما الكنيسة التاريخية العتيقة التي تعتبر من التراث العالمي والواقعة شرقي مدينة عكا وتحديدًا في قرية البروة قرية الشاعر الراحل محمود درويش، فقد سويت بالأرض منذ عام 1949 وتم تحويل أرضها ومحيطها إلى ملكية قريتين تعاونيتين صهيونيتين.
أما في مدينة يافا فهناك مسجد روبين الذي قام متطرفون يهود بتفجير مئذنته، فضلاً عن الاستهداف الدائم لمسجد حسن بك حيث تشي المعلومات بوجود خطة لطمس معالمه من خلال بناء فندق فخم من 32 طابقًا وعمارة سكنية من 30 طابقًا خلفه.
كما أن مساجد قرى قضاء القدس لم تسلم بدورها من سياسات الاحتلال، ومنها مسجد عمر بن الخطاب، ومسجد دير ياسين، ومسجد عكاشة في القدس الغربية الذي حولته سلطات الاحتلال إلى مخزن.
وفي بئر السبع أصبح المسجد الكبير الذي بني عام 1906 متحفًا وقد حُوِّلت ساحاته إلى متحف للتماثيل والأصنام. ولم تنجح حتى الآن محاولات المسلمين لاسترجاع المسجد وافتتاحه للصلاة. أما المسجد الصغير الذي يقع مقابل بئر إبراهيم، وقد بناه المتبرع الخيري الغزاوي عيسى بسيسو سنة 1931 فاستولت عليه سلطات الاحتلال وحولته إلى موقع سياحي ومطعم وبار.
“شارة الثمن”
كما أن المجموعة الإرهابية اليهودية المسماة “شارة الثمن” التي أعلنت مسؤوليتها عن حرق مسجد النور في قرية طوبا الزنغرية في الجليل بشمال فلسطين، والتي بدأت تتحدث عنها الصحافة العبرية مؤخرًا ليست “بضعة أعشاب ضارة” كما أشار إليه بعض أحزاب “اليسار الصهيوني” قبل أيام.
فمجموعة “شارة الثمن” ليست تنظيما سريا، بل تنظيم موجود بكل ما للكلمة من معنى بين غلاة الصهاينة وبين مجموعات المستوطنين داخل المناطق المحتلة عام 1967، وهي استنساخ للعديد من المجموعات اليهودية المتطرفة التي نشأت خلال العقود الأربعة الماضية، وتبين فيما بعد أن معظمها كان مرتبطًا بشكل أو بآخر بعدد من قادة الأحزاب وبعدد من أعضاء الكنيست والحكومة.
إلى ذلك، فإن قلقًا معلنًا بدأ بعض الأنتلجنسيا اليهودية في “إسرائيل” الإشارة إليه مع نشوء ووجود عصابات يهودية مسلحة تقوم بأعمال إرهابية بتواطؤ رسمي من بعض الجهات “الإسرائيلية” كان منها ما يسمى بـ”العصابة السرية اليهودية/بات عين”، وهي النواة التي أنجبت اليهودي المجرم باروخ غولدشتاين الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، واليمني إيغال عامير الذي قتل رئيس الحكومة “الإسرائيلية” إسحاق رابين عام 1995.
حيث اعتبروا أنها “تضعضع المجتمع الإسرائيلي، وتفتح الباب أمام اللاتسامح وتمس جوهر الديمقراطية داخل إسرائيل”! (الكاتب: لا نعرف عن أي ديمقراطية يتحدثون).
والخلاصة أن إحراق واستهداف المساجد في عموم فلسطين من قبل العصابات اليهودية وعصابات المستوطنين أمر لصيق بسياسات “إسرائيل”، ويبين طبيعة المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين، وميل غالبيته إلى الاصطفاف نحو سياسات اليمين المتطرف الغارق في رواية الميثولوجيا، في ظل حكومة “إسرائيلية” متخمة برموز وغلاة وعتاة المتطرفين من أصحاب نظريات الترانسفير والتطهير العرقي وعلى رأسهم وزير الخارجية اليهودي الروسي أفيغدور ليبرمان.
أخيرًا، وأمام ما يجري في حق المقدسات الإسلامية والمسيحية في عموم فلسطين، فإن المناشدات الأخلاقية وبيانات الإدانة والشجب والاستنكار لم تعد تكفي، فالمطلوب سياسة عربية وإسلامية مغايرة، سياسة تضمن اتخاذ خطوات فعالة لكسر وشل يد الإرهاب الفاشي الصهيوني، وتفضي إلى اتخاذ خطوات عملية لنصرة الشعب الفلسطيني وحماية مقدساته.
الجزيرة نت، 14/10/2011
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...

قيادي في حماس: مفاوضات متقدمة مباشرة بين الحركة والإدارة الأميركية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام كشف قيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مفاوضات متقدمة مباشرة تجري بين الحركة والإدارة الأميركية حول وقف إطلاق...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...