فعنونو واللغم النووي

لم تأخذ القضيّة التي أثارها خبير الذرة “الإسرائيلي” مردخاي فعنونو حقها في التداول والنقاش المجدي والمفيد رغم مرور ربع قرن عليها، لا في أوساط الغرب ولا العرب. الغرب لأنه يغرق حتى أذنيه في السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، والعرب لأنهم ليسوا في وارد أي شيء يتعلّق بأمنهم القومي ومستقبل أمة تنام على مرمى حجر من مائتي رأس نووي في “إسرائيل” كشفها فعنونو عام 1986، ولم يظهر خبير آخر ليهرب ويكشف كم وصل العدد الآن.
فعنونو عمل في مفاعل ديمونا على مدى سنوات، وتعمّد التقاط الصور خلسة لمرافق مختلفة في المفاعل قبل أن يقوم بتهريبها ومن ثم نشرها، بواسطة صحافي بريطاني، في صحيفة “صنداي تايمز” مع معلومات موثّقة حول أسرار أسلحة الدمار الشامل “الإسرائيلية”.
على كل حال، لم يجادل أحد في القضيّة، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ف”إسرائيل” كل ما فعلته أنها أرسلت موسادها إلى قلب روما واختطفت الرجل ونقلته مخدّراً في صندوق إلى “إسرائيل” حيث سجن ثمانية عشر عاماً. وعندما أنهى محكوميته، لم يحصل على حريّته كاملة، بل وضع قيد الإقامة الجبرية في ظروف تعني فقط أن ما تغيّر عليه هو شكل السجن. ومع ذلك، لم يضع فعنونو لسانه في فمه، بل واصل فضحه لأسلحة الدمار الشامل التي تملكها “إسرائيل”، ولطالما حذّر من خطورة هذه الأسلحة على أمن المنطقة والعالم، وكم من مرّة طالب بإخضاع منشآت “إسرائيل” لتفتيش وكالة الطاقة الذرية الدولية.
ونتيجة كشفه المستمر وتحريضه الدائم، تعرّض للمحاكمة والمساءلة إحدى وعشرين مرة بعد خروجه من السجن عام 2004، بل صعدت مخابرات “إسرائيل” إجراءات الخنق والتضييق عليه. وقبل يومين رفضت المحكمة العليا “الإسرائيلية” طلبه للهجرة، فهو تحوّل منذ سنوات إلى الدين المسيحي، ولا يعتبر نفسه “إسرائيلياً”، لكنّه يتحسّر لأن أحداً لم يتبن قضيته، ولم تحقق في معلوماته أي مؤسسة دولية.
ليس محور حديثنا إلقاء الضوء على قضيّة شخص أخذ قراراً ودفع ثمنه، ولن نسأل عن سر عدم منح جائزة نوبل للسلام لشخص كشف أخطر ترسانة نووية في الشرق الأوسط، لكننا نسأل “العالم الحر” عن سر صمته إزاء القضية النووية ذاتها، وعن هذه الانتقائية في التعامل مع سلاح لا ينتقي ضحاياه إذا ما تم استعماله ذات يوم.
إذا كان أحد ينتظر أن تتعاون “إسرائيل” مع المنظمات الدولية وأن تكشف أوراقها، فهو واهم، فهي ترفض الانضمام لاتفاقية منع انتشار السلاح النووي، واستبدلتها بالسياسة التي تناسبها المسماة “الغموض البنّاء”، وهي تعني أن التهديد بسلاح “غامض” في نوعه وكمّه، قد يحقق نتائج أكبر مما يحقق استعماله.
لم يعد هناك مفر من تبني قاعدة أساسيّة مفادها أنه لا يمكن للحديث عن نزع سلاح الدمار الشامل أن يكون ذا مصداقية، ما لم يشمل كل من يملكون هذا السلاح ومن يعملون على امتلاكه. ولا يمكن أن يبقى مقبولاً لدى شعوب الأرض أن تواصل النوم على لغم نووي، والصحو على السؤال عن الغد وما يحمله للإنسانية وزينتها من الطفولة. ليست الانتقائية سوى سياسة عوراء لا تؤسس لاستقرار وإنما لمزيد من هيمنة الأقوياء على الضعفاء والمسلّحين على العُزل. ولا شك أن نضالاً مريراً يجب أن تخوضه القوى الحيّة لأجل عالم بلا سلاح.
صحيفة الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الثاني خلال ساعات .. أمن السلطة يقتل مسنًّا في جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلامقتلت أجهزة أمن السلطة -اليوم الثلاثاء - مسنًّا، وأصابت آخرين بإطلاق نار مباشر في الحي الشرقي بمدينة جنين، بعد ساعات...

حماس: قرار برلمان بروكسل تمكين للعدالة الدولية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة حماس بقرار برلمان بروكسل مطالب الحكومة الفيدرالية بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية...

القسام يشتبك مع قوة صهيونية ويجهز على سائق آلية عسكرية شرقي غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الثلاثاء، الاشتباك مع قوة هندسة صهيونية، والإجهاز على سائق آلية...

470 ألف فلسطيني بغزة قد يواجهون جوعاً كارثياً من المرحلة الخامسة حتى سبتمبر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رجح تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن يواجه 470 ألف شخص في قطاع غزة، جوعاً كارثياً (المرحلة الخامسة...

شهيد بقصف مسيّرة إسرائيليّة دراجة نارية في جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخص، اليوم الثلاثاء، إثر قصف من مسيّرة إسرائيليّة على بلدة حولا جنوبيّ لبنان، في استمرار للخروقات...

الصحة تعلن ارتفاع عدد ضحايا الإبادة بغزة إلى 52908 شهداء
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 52908 شهداء و119721 مصابا منذ 7 أكتوبر/...

أمن السلطة يقتل الشاب رامي زهران في مخيم الفارعة
طوباس - المركز الفلسطيني للإعلام قتلت عناصر أمن السلطة، الشاب رامي زهران بإطلاق نار مباشر -اليوم الثلاثاء- في مخيم الفارعة شمال الضفة الغربية....