عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

جريمة الحافلة 300

جريمة الحافلة 300

في 12 من إبريل/ نيسان 1984 بثت الإذاعات والتلفزيونات خبراً عن قيام أربعة من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، باختطاف حافلة ركاب “إسرائيلية” حملت رقم “خط 300″، من قطاع غزة وأجبروا سائقها على تحويل مسارها نحو عسقلان. وتبين لاحقاً أنهم كانوا يعتزمون التوجّه إلى مصر لإدارة مساومة من هناك مع “إسرائيل” لتحرير أسرى من سجون الاحتلال.

وبعد مطاردة استمرت بضع ساعات وإطلاق نار من جانب جيش الاحتلال، توقفت الحافلة بالقرب من مخيم دير البلح إثر إعطاب إطاراتها، وجرت عملية مفاوضات عن بعد طالب الخاطفون خلالها بتحرير 500 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال مقابل الإفراج عن الحافلة.

لكن “إسرائيل” التي لا تعترف بحق الفلسطينيين في الحرية، وهناك من قادتها من لا يعترف بالفلسطينيين كبشر، تصرّفت بعقليتها الدموية وزجّت في اليوم التالي بوحدة من نخبتها العسكرية بقيادة الجنرال إسحاق مردخاي للتدخل بأمر من وزير الحرب في حينه موشي أرينز. حصل اشتباك أعلنت “إسرائيل” في أعقابه أنه أدى إلى مقتل جندية واستشهاد الفدائيين الأربعة وهم من قريتي عبسان وبني سهيلة في غزة.

ولأنه لا توجد جريمة كاملة، تبين فيما بعد أن اثنين من الفدائيين استشهدا في الاشتباك، في حين ألقي القبض على الاثنين الآخرين حيين يرزقان، وأظهرت صورة التقطت خلسة أنهما لم يكونا حتى مصابين بجروح، لكن ضباط وعناصر الاحتلال قتلوهما بدم بارد بالضرب بأعقاب البنادق وقضبان الحديد بناء على أوامر من رئيس جهاز المخابرات الداخلية “شين بيت” أفراهام شالوم الذي أصبح لاحقاً عضو “كنيست” منتخباً.

قبل أيام كُشف الستار عن تفاصيل جديدة تظهر تواطؤ المستوى السياسي في الجريمة، إذ اعترف أحد مسؤولي “شين بيت” أن رئيس الحكومة في حينه، شمعون بيريز، طلب منهم التغطية بأي ثمن على شالوم رئيس الجهاز، وحصر القضية بمردخاي الذي تمت تبرئته في وقت لاحق، وها هو نفسه يعترف اليوم أن بيريز وإسحاق شامير كانا على علم بالحقيقة، لكنهما كانا مستعدين للتضحية بجنرال ووضعه في السجن لفترة طويلة من أجل إنقاذ ال”شين بيت”. ويعترف أيضاً بحصول لقاءات سرية وعمليات خداع وتمويه وأكاذيب وعمليات تنصت وضغط للتغطية على الجريمة.

ورغم أننا لا نعرف الدوافع الحقيقية للصحافي “الإسرائيلي” ملتقط الصورة، فإنه يستحق ذكر اسمه لأنه كشف جريمة، ولربما كانت دوافعه إنسانية. إذاً، أليكس ليفاك التقط الصورة ونشرتها صحيفة حدشوت “الإسرائيلية” التي تعرضت للعقاب بسببها. بالنسبة إلينا ليس في الأمر فضيحة، لأن الإجرام “الإسرائيلي” قاعدة وليس استثناء، لكنّ هناك، مع الأسف، كثيرين في الغرب والشرق، ومؤخراً بيننا، بحاجة إلى من يبحث لهم عن أدلة تقنعهم بمن هو الجلاد ومن هو الضحية.

الآن، وبعد كشف المزيد من تفاصيل جريمة حرب واضحة المعالم، ينبغي على ذوي الشهيدين تحريك دعوى في المحاكم الدولية ضد مجرمي الحرب الذين نفذوا العملية، وكلهم أحياء، كما أن جرائم الحرب لا تموت بالتقادم.

 “إسرائيل” كعادتها تجادل بأن من قتلتهم “إرهابيون” خطفوا حافلة ركاب، لا أحد يمنعها من قول ذلك، ولا أحد يمنع آخرين من نقاش المسألة على هذا النحو، لكن أية شريعة تسمح بقتل الإنسان بعد أسره؟ لو فعلها فلسطينيون وعرب لكنا أول من يدين من دون حرج أو مواربة، لأن ما لا نرضاه لأنفسنا لا نرضاه لغيرنا. هل الدول المدافعة عن “إسرائيل” والمعادية لحقوقنا كعرب، ترضى لنا بعشرة في المئة مما تريده لنفسها؟

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات