عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

من الدولة 59 إلى الدولة 194

من الدولة 59 إلى الدولة 194

الفارق العددي بين الرقمين كبير، والفارق الزمني أكبر، وهذا الفرق هو الذي يلخص كل المسارات والخيارات التي مرت بها القضية الفلسطينية، ويكشف عن كل التحولات في موازين القوى، وفي الفجوة الكبيرة في الرؤى السياسية لطرفي الصراع المباشرين: (الفلسطينيين و”الإسرائيليين”).

الرقم 59 يعود بنا إلى قرار التقسيم الذي أقرته واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة ب 33 صوتاً مؤيداً و31 صوتاً معارضاً، وبامتناع 10 أصوات، وغياب دولة واحدة، ولقد لجأت الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني إلى ممارسة كل الضغوط على الدول الأعضاء وخصوصاً ليبيريا التي غيّر صوتها مصير هذا القرار.

ما هو الدرس الذي يمكن أن نستخلصه من ذلك القرار ومن عملية التصويت، ومن مواقف الدول المعنية؟ يلاحظ أولاً أن دولاً مؤيدة للدولة الفلسطينية مثل روسيا والصين، كانت من أوائل الدول التي أيدت القرار، بل إن دولة إسلامية كتركيا كانت من بين هذه الدول. أما الموقف الأمريكي وهو الموقف الحاسم في تحديد مستقبل عضوية الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن فقد كان الرئيس الأمريكي ترومان متردداً في عملية التصويت لغلبة المصالح القومية الأمريكية، ولتأثير وزارة الخارجية برئاسة وزير الخارجية مارشال ووزير الدفاع فورستال، وكان التردد منبعه أولاً تنامي المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وبروز دور النفط، وعدم بلورة النفوذ الصهيوني وتناميه وتحكمه في صناعة القرار الأمريكي، كما هو الحال اليوم، لكن في النهاية حزمت الإدارة الأمريكية أمرها وأيدت القرار وتبنّت دعم “إسرائيل” وبقائها، والحفاظ على أمنها منذ ذلك التاريخ في عام 1947. ولكن ماذا عن الموقفين الفلسطيني و”الإسرائيلي”؟

أبدأ بالموقف “الإسرائيلي”، إذ سارعت “إسرائيل” برؤية رئيس وزرائها بن غوريون ووزير خارجيته، أن أعلنت تأييدها القرار، حتى ولو لم يكن هو هدفها الاستراتيجي البعيد، وذلك لعلمها أن الفلسطينيين ومعهم العرب سيرفضون، وبالتالي لن تقوم الدولة الفلسطينية التي في حينها كان يصعب على “إسرائيل” رفضها، لأنها ليست دولة بعد، وهي في حاجة إلى قيام دولة تكون ركيزة للانطلاق والتحليق بها في سماء المنطقة، ولتأكيد مقولاتها التي جاءت في برنامج الحركة الصهيونية، لتنفيذ مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. وقد يكون المبرر بالموافقة أن الوجود اليهودي العددي في فلسطين آنذاك لم يكن يتجاوز بضع مئات الآلاف، وما يملكونه من الأرض لا يتجاوز الستة في المئة، ومن ثم بكل معايير الربح والخسارة فإن “إسرائيل” هي المستفيدة الأولى من قيام الدولة. وبعدها نجحت “إسرائيل” من خلال الأخطاء العربية والفلسطينية في استغلال حالة الحروب لتوسع من حدود دولتها وتفرضها كحالة أمر واقع وصولاً إلى اليوم، والقبول الفلسطيني بما نسبته 22 في المئة من مساحة فلسطين الكلية ومن مساحة ال 44 في المئة التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية وفقا للقرار رقم 181.

وهذا كان الإنجاز الأول لها، ثم بعد ذلك يمكن أن تأتي مرحلة إعادة تفصيل الدولة الفلسطينية بما لا يتعارض مع أولويات الأمن “الإسرائيلي” وهذه قضية ليست صعبة، المهم في هذا الموقف “الإسرائيلي” أن هناك رؤية سياسية، وأهدافاً محددة، وآليات وعناصر قوة متوافرة، ودعماً دولياً من الدولة العظمى المتحكمة والمؤثرة في صناعة لقرار الدولي.

أما الموقف الفلسطيني فقد حكمته حسابات لحظة الزمن والمكان نفسه، والوعود العربية بحرب شاملة والدفاع عن الحقوق الفلسطينية التي قد قسمتها أو فرطت فيها الأمم المتحدة التي نعود إليها الآن ونستصرخها لتقوم بمسؤولياتها تجاه قيام الدولة الفلسطينية. وقد يقول قائل: كيف يمكن للفلسطينيين والعرب معهم، أن يقبلوا بالدولة الفلسطينية، وهم يملكون ما يقارب أو أكثر من تسعين في المئة من مساحة فلسطين؟ وكيف يمكن لمن يملك الحق والشرعية أن يتنازل عن حقه؟ هذا السؤال يكون مقبولاً منطقياً ولكن بحسابات السياسة والمصلحة وما آلت إليه القضية الفلسطينية، وبحسابات النتائج، وليس الأحلام، يكون الفلسطينيون هم الخاسرون الوحيدون من هذه المعادلة التاريخية، ومن فقدان الرؤية السياسية والمستقبلية، والحسابات الإقليمية والدولية غير المحسوبة.

ولو نظرنا إلى الوضع اليوم فلا اختلاف كبيراً بين الوضع الذي كان يمكن أن تقوم فيه الدولة الفلسطينية رقم 59، والدولة الفلسطينية المأمول قيامها كدولة غير عضو بعد أكثر من ثلاثة وستين عاماً. وعليه فإن الخطوة الفلسطينية في الذهاب إلى الأمم المتحدة تحتاج إلى الرؤية السياسية المستقبلية، والنظرة الواقعية، والحسابات العقلانية، والاعتماد على المتغير الفلسطيني كتغيير رئيس وليس تابعاً لغيره، وإلا، فقد تبقى دولة فلسطين دولة غير عضو لسنوات طويلة.

أستاذ العلوم السياسية – غزة

[email protected]

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات