الثلاثاء 13/مايو/2025

عذر أقبح من ذنب

عذر أقبح من ذنب

رفض الولايات المتحدة وفرنسا عضوية فلسطين في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو” بل ودعوة الدول الأعضاء إلى التصويت ضد هذه العضوية، يأتي تكريساً للعداء الأمريكي والفرنسي والغربي عموماً لأبسط الحقوق الفلسطينية، وهو يوجّه رسالة واضحة في الوقت الذي يبحث مجلس الأمن الدولي طلب العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في المجلس التنفيذي لليونيسكو ليس ثمة “فيتو” أمريكي، لذلك مرت توصية المجلس بأغلبية واضحة لمصلحة العضوية الفلسطينية، أما في مجلس الأمن ف”الفيتو” الأمريكي وربما الفرنسي والبريطاني يترصّد الطلب الفلسطيني، ونحمد الله أن ميكرونيزيا لم تأخذ بعد عضوية دائمة تمنحها حق استخدام “الفيتو” في مجلس الاستبداد العالمي.

السفير الأمريكي في “اليونيسكو” لم يكن موارباً ولا دبلوماسياً وهو يدعو كل الوفود إلى الانضمام للولايات المتحدة في رفض توصية المجلس التنفيذي، الأمر الذي حاولت الخارجية الأمريكية تداركه بالقول إن عملية جارية في مجلس الأمن لبحث طلب انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، وبالتالي، حسب تبريره، من غير المناسب اتخاذ قرارات بشأن وكالات مكوّنة للأمم المتحدة قبل أن يتمكن مجلس الأمن من قول كلمته. هذا عذر أقبح من ذنب، لأنه يساق في وقت قررت الولايات المتحدة وأعلنت أنها ستستخدم “الفيتو” لإجهاض الطلب الفلسطيني.

أما فرنسا فقد تحدّثت بلغة تريد الإيحاء من خلالها أنها تتصرّف من رأسها، في حين يعرف كل العالم أن الأمر ليس كذلك منذ “مسحت أمريكا بها وبأوروبا الأرض” في أعقاب رفض باريس وبعض الدول الأوروبية غزو العراق بلا تفويض من مجلس الأمن. فرنسا بررت رفضها عضوية فلسطين في “اليونيسكو” بالقول إنه أمر سابق لأوانه، وإن الأولوية الآن ينبغي أن تكون “استئناف المفاوضات” مع “إسرائيل”. باريس ترى أيضاً، أن “اليونيسكو “ليست” المكان المناسب”، والمؤتمر العام لها “ليس الوقت” الملائم لذلك.

هذا يعني أن مئة عام من المأساة وثلاثاً وستين سنة من النكبة المتواصلة، والنضال الفلسطيني الممهور بآلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين، لم تهيّئ الوقت الملائم للعضوية الفلسطينية في إحدى الدوائر الفرعية لبرلمان العالم الذي تعدّه فرنسا ليس المكان المناسب للبت في العضوية الفلسطينية، وهي تفضل بدلاً منه بحث هذا الأمر خلال المفاوضات المباشرة بين “إسرائيل” والقيادة الفلسطينية.

في محصلة هذه المواقف يتضح أنها لا تعدّ الأمم المتحدة وقراراتها مرجعية لبحث أية جزئية في الصراع العربي “الإسرائيلي”. ولن يفضي هذا الأمر إلا إلى معنى واحد مفاده أن “إسرائيل” هي المرجعية لكل تفاصيل الحل السياسي وكل شأن يتعلق بالفلسطينيين، مثلما هي مرجعية لأصحاب القرار في واشنطن وباريس وشبيهاتهما من عواصم الاستعمار الجديد.

إن المطالبين بإحالة كل حيثية وأية تفصيلة تتعلق بالصراع العربي “الإسرائيلي” إلى الطرف المسيطر فيه، الطرف المحتل والمعتدي والمستوطن والمغتصب والمتعجرف والمتعنت والعنصري، لا يريدون حلاً، بل يريدون منح المعتدي غطاء الشرعية على اعتدائه، ومنح الاحتلال رخصة مفتوحة لنهب ما تبقى من الأرض، وقتل الفلسطينيين وتأبيد اضطهاد شعب بأكمله. هذا منطق أمريكا وفرنسا وتوابعهما، منطق الاستعمار الجديد، وهو منطق يتناقض مع كل الشعارات التي نسمعها من هذه الدول، وكل ممارساتها التي تبنيها زوراً وبهتاناً على لافتات حرية الشعوب وحقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح. إنهم ببساطة كذّابون أيضاً.

[email protected]

صحيفة الحليج الإماراتية   

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات