عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

الفلسطينيون وأداء بلير

الفلسطينيون وأداء بلير

أثار الدور الذي لعبه توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية الأسبق ومندوب الرباعية الدولية إلى محادثات السلام في الشرق الأوسط، خلال معركة انتزاع عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، حنق عدد من القياديين الفلسطينيين. ولم يكتم هؤلاء شعورهم بأن بلير استخدم كل ما يملك من خبرة وعلاقات وصلاحيات من أجل دعم الموقف “الإسرائيلي”. وداخل الرباعية الدولية، بذل بلير جهداً ملحوظاً من أجل محاصرة الموقف الروسي الداعم للفلسطينيين، وإحراج موسكو حتى يأتي موقفها متطابقاً مع موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن ثم “الإسرائيلي”، أي دعوة الفلسطينيين إلى العودة غير المشروطة إلى طاولة المفاوضات مع “إسرائيل” مع صرف النظر عن طلب العضوية الكاملة.

واستطاع بلير، الذي دأب على إهمال الرباعية ونشاطاتها، أن يحقق هنا نجاحاً لافتاً للنظر. بمقدار ما أثار موقف بلير اغتباط “الإسرائيليين” ومؤيدي “إسرائيل”، فإنه استفز، كما قلنا أعلاه، الفلسطينيين والدول والأوساط المؤيدة لهم. ولكن هل تساوت ردود الفعل الفلسطينية مع حجم الضرر الذي ألحقه بلير بمعركة كسب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؟

انقسمت ردود الفعل الفلسطينية إلى نمطين، واحد غاضب،كما أشرنا أعلاه. وقد وصلت ردود الفعل الفلسطينية هنا إلى ذروتها عندما وجهت إلى توني بلير الاتهامات بأنه بات يردّد بصورة ببغائية كل المواقف “الإسرائيلية” وبأنه تصرف خلال الموقعة الفلسطينية “الإسرائيلية”، الأخيرة (كموظف صغير في الإدارة “الإسرائيلية”)، وليس كمندوب لهيئة دولية تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. في ضوء هذه الانتقادات العلنية تردد أن الرباعية الدولية بصدد استبعاد بلير واستبدال شخصية أخرى به تستطيع التعاون مع الفلسطينيين و”الإسرائيليين”.

أما النمط الثاني فقد برز مع اتجاه مسؤولين فلسطينيين إلى التقليل من أهمية هذه التوقعات، وإلى النفي، ولو الضمني لعلاقة السلطة بها. لقد أكد مسؤول فلسطيني بصورة قاطعة أن السلطة لم تتقدم بأي طلب بصدد إعفاء بلير من منصبه، وكرر مسؤول ثان هذه التأكيدات، مضيفاً أن السلطة “تراقب وتقيم” الدور الذي اضطلع به بلير، وأنها سوف تتخذ القرار المناسب بعد الانتهاء من هذا التقييم. هذه المواقف الأخيرة، تركت المجال مفتوحاً للتكهن بأن السلطة آثرت الإعراب عن استيائها من انحياز بلير عبر الأقنية الدبلوماسية غير العلنية إلى الأطراف الدولية المشاركة في الرباعية بحيث يمكن استبعاده عن منصبه من دون التسبب بإحراج لهذه الأطراف. إلا أن ناطقاً باسم بلير نفى، بدوره، هذا الاحتمال إذ أكد أن الاتصالات والتعاون بين مندوب الرباعية والمسؤولين الفلسطينيين الكبار يتمان “بشكل طبيعي”، واستطرد بلغة مشوبة بالتحدي والغطرسة إن “تركيزنا أي بلير هو على العودة إلى المحادثات المباشرة بين الجانبين”.

لئن فهم المرء النمط الأول من ردود الفعل على الرباعية ومندوبها، فإن النمط الثاني يتطلب شرحاً غاب عن تصريحات المسؤولين الفلسطينيين إياهم. فمن المفروض أن السلطة الفلسطينية دخلت، بعد موقعة طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مرحلة جديدة من العمل السياسي والدبلوماسي. ولسوف تتسم هذه المرحلة بصراع سياسي مفتوح ومجابهات جادة وحادة ليس مع “إسرائيل” فحسب، بل أيضاً مع داعميها. وتتصف المعارك السياسية الجادة بضراوة لا تقل عن تلك التي تميز المعارك العسكرية. أي أن تمارس فيها القيادة الفلسطينية أعلى درجات اليقظة، وأن تميز فيها تمييزاً دقيقاً بين العدو والصديق. وألا تتردد في مكافأة الصديق ومحاسبة المسيء ومعاقبة العدو. وبعد موقعة الأمم المتحدة، لم تعد منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية تملكان ترف التغاضي عن الدور الذي يلعبه من يرتدي ثوب المحايد، لكي يطعن الفلسطينيين في ظهورهم، ومن يضفي على المشاريع والمواقف “الإسرائيلية” الطابع السلامي والأممي، كما يفعل الكثيرون.

قطعاً، هناك ضرورة قصوى لمراقبة سير وأعمال الفاعلين الدوليين، خاصة الذين تسند إليهم مناصب تؤثر تأثيراً ملموساً في مآل الصراع العربي “الإسرائيلي” والفلسطيني “الإسرائيلي”، ولإدراك مواقفهم الحقيقية تجاه هذا الصراع، وللتصرف في ضوء هذه المدارك. هناك حاجة ماسة إلى التنبه للمواقف التي يتخذها أشخاص مثل توني بلير، وإلى دراسة مسبباتها وتبعاتها وأثرها في القضية الفلسطينية، وإلى الرد السليم والفاعل على هذه المواقف على نحو يخدم أهداف الفلسطينيين والعرب وآمالهم الوطنية.

من يروم القيام بجردة الحساب هذه، لا يحتاج إلى وقت طويل لكي يصل إلى تقييم لشخص توني بلير ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية والعرب. فتاريخ بلير مع قضايا الفلسطينيين والعرب يبدأ مع بداية صعوده سلم زعامة حزب العمال، حيث تكفل صديقه مايكل ليفي، المناصر ل”إسرائيل”، بتمويل رحلة الصعود هذه. وارتفق تسلق بلير سلم الزعامة الحزبية مع حملة شرسة شنها ضد الزعماء العماليين المناصرين لتلك القضايا وصلت إلى ذروتها بطرد وتهميش هؤلاء القادة وبإعلانه أن حزب العمال يعتز بتأييده ل”إسرائيل”. وخلال رئاسته الحكومة البريطانية، وخلال عمله مندوباً للرباعية الدولية لم يكف بلير عن التعبير عن انحيازه إلى جانب “الإسرائيليين” وضد العرب.

ففي مذكراته الشخصية الصادرة مؤخراً في لندن يقول السير كامبل الذي كان أقرب المستشارين إلى بلير خلال رئاسته الحكومة، إن الأخير قال له خلال الحديث عن قضية الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني إن إعطاء الفلسطينيين القدس الشرقية يوازي إعطاء وستمنستر حيث مقر البرلمان البريطاني إلى الألمان النازيين!

وفي خطاب ألقاه في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المؤيد ل”إسرائيل” قبل سنة من يومنا هذا، أعلن بلير أنه لو كان رئيساً للحكومة “الإسرائيلية” لما قبل بانسحاب الجيش “الإسرائيلي” من الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذا شعر بأن حماس سوف تحكم الضفة الغربية. ولم يشر مندوب الرباعية “المحايد” إلى مليشيات المستوطنين التي تقوم بأعمال الإرهاب بحماية الجيش “الإسرائيلي” في الضفة الغربية، ولا إلى الأحزاب المعارضة لعملية السلام والمؤيدة ل”إسرائيل” الكبرى الممثلة في حكومة نتنياهو.

أما المشاريع التي تقدم بها بلير، بصفته مندوباً للرباعية، من أجل تحسين أوضاع الفلسطينيين، فكانت مستقاة من مشروع “وادي السلام” الذي أطلقه شمعون بيريز في إطار مشروعه الأوسع “الشرق الأوسط الجديد”. الغاية المشتركة بين مشروع بلير وبيريز هي الحفاظ على الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس تبديله بقيام فلسطين مستقلة استقلالاً حقيقياً.

إن بقاء توني بلير في منصب موفد الرباعية إلى محادثات التسوية في الشرق الأوسط هو خير معبر عن موقف الذين دعموا ترشيحه لهذا المنصب إلى الصراع العربي “الإسرائيلي”، وإلى دعمهم للسلام “الإسرائيلي” وليس السلام الإقليمي في منطقة تقف على برميل نفط وبارود.

كاتب لبناني

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...