الثلاثاء 13/مايو/2025

الربيع العربي والخريف الإسرائيلي

الربيع العربي والخريف الإسرائيلي

لا شك أن العرب يعيشون هذه الأيام مرحلة تحول تاريخية، بعد فترة تراجع وانهزام دامت أكثر من ثلاثة عقود مضت.

وهي مرحلة جديرة بأن نسميها “الربيع العربي”، لأنها بالفعل مرحلة بعث جديدة لروح الشعوب العربية، التي دخلت في غيبوبة طويلة الأمد حتى ظن الكثيرون، من أعداء العرب في الخارج والداخل، أنها ماتت ولم يعد لها وجود، فأخرجوها تماماً من حساباتهم، بينما لم يكن هناك على الساحة سوى الأنظمة المستبدة والفاسدة، والتي وصل بها الطغيان والفساد إلى درجة بيع الأوطان للأعداء بأبخس الأثمان، دون أي حساب لمصالح الشعوب والأجيال.

وكانت هذه العقود الثلاثة الماضية بمثابة ربيع متواصل وطويل الأمد ل”إسرائيل”، التي شعرت بالطمأنينة التامة بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، التي أمٌنت لها العدو الأكبر القادر على مواجهتها والدخول معها في حروب لا طاقة لها بها.

وبخروج مصر من المواجهة أصبح الطريق مفتوحاً وممهداً ل”إسرائيل” لتفعل ما تشاء دون أن تخشى أحدا، فذهبت تدبر المؤامرات وتقتل وتدمر دون أي رادع من أية جهة في العالم. ولماذا يردعها المجتمع الدولي إذا كان العرب أنفسهم منقسمين، ما بين صامتين ومؤيدين ومباركين، وقلة على استحياء رافضين!

لقد حولت كامب ديفيد “إسرائيل”، ليس فقط من عدو إلى صديق، بل من مجرم عنصري محتل وخارج على القانون والشرعية الدولية، إلى ضحية بريئة تدافع عن نفسها أمام عصابات إرهابيين وقتلة يهددون أمنها، ولنا أن نتذكر كم عدد الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية ب”إسرائيل” بعد حرب 1967 وأعادتها بعد اتفاقية كامب ديفيد.

الآن، ومع انطلاقة الربيع العربي، ينتهي الربيع الإسرائيلي الذي دام ثلاثة عقود، ليبدأ الخريف الإسرائيلي الذي نأمل له أن يضع حدا لطغيان وعدوان هذا الكيان الصهيوني العنصري المحتل، الذي يكن للعرب جميعاً، بلا استثناء، كما لا حدود له من الكراهية والنوايا الشيطانية.

لقد تصورت “إسرائيل” مع بداية انطلاق الربيع العربي أنها في أمان، وأنها بعيدة عن فكر الثورات الشعبية وأهدافها، وتصورت أن دعم حليفتها الكبرى واشنطن للثورات الشعبية وانتقاداتها للأنظمة الحاكمة المستبدة، سوف يضمن استمرار أحوالها على ما كانت عليه، وكثيرون غير “إسرائيل” تصوروا ذلك أيضاً، خاصة بعد ما سمعوا عن ملايين الدولارات التي قدمتها واشنطن لدعم الديمقراطية في مصر بعد الثورة.

ومما زاد من هذا التصور أن الثورة في مصر لم ترفع في بدايتها أي شعار ضد “إسرائيل” وأميركا، واستمرت على هذا الحال أكثر من شهرين بعد تنحية مبارك، هذا إلى جانب تصريحات القائمين على الحكم بعد الثورة بالتزام مصر بتعهداتها الدولية، مما زاد شعور “إسرائيل” بالاطمئنان والأمل في بقاء الأحوال على ما كانت عليه في عهد مبارك.

وحتى المظاهرات التي جرت أمام السفارة الإسرائيلية في إبريل اعتراضاً على الاعتداء الإسرائيلي على غزة، مرت دون تداعيات مؤثرة، حتى جاءت المظاهرات الأخيرة في أغسطس والهجوم على السفارة الإسرائيلية، بعد حادث الاعتداء على الجنود المصريين في إيلات، لتفجر الموقف إلى أبعد الحدود.

ولتضع العلاقات مع “إسرائيل” على رأس قائمة أهداف الثورة المصرية، لتنقلب الأحوال داخل “إسرائيل” رأساً على عقب، وتأتي التداعيات بطرد السفير الإسرائيلي من تركيا وعودة السفيرين الإسرائيليين من مصر والأردن إلى تل أبيب هرباً من الغضب الشعبي، وليتواكب هذا كله مع ذهاب الفلسطينيين للأمم المتحدة للمطالبة بدولتهم المستقلة، لتبدأ معالم الخريف الإسرائيلي في الظهور بوضوح.

لا شك أن الأمور ستتطور في المستقبل القريب لما هو أسوأ ل”إسرائيل”، وهذا ما يتوقعه الكثيرون داخل “إسرائيل” نفسها، من الكتاب والمحللين الذين يصفون ما يحدث بأنه “بداية النهاية” للكيان الصهيوني. بقي علينا نحن العرب أن نؤمن بهذا التطور، ونتخلص من وهم “إسرائيل التي لا تقهر”.

[email protected]

صحيفة البيان الإماراتية 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات