حراك مضاد للحراك الفلسطيني!

من حيث المبدأ، لا يقف نتنياهو، في مواقفه المُعْلَنَة، ضدَّ قيام دولة فلسطينية بما يوافِق “حل الدولتين”، الذي وافق عليه على مضض؛ لكنَّه، وعلى ما أوضح وأكَّد، لن يقبل أبدًا هذه الدولة إذا لم تَقُمْ بما يُلبِّي شروط اعتراف “إسرائيل” بها؛ وهذا إنَّما يعني، على ما أوضح وأكَّد أيضًا، أنَّ الدولة الفلسطينية يجب أنْ تأتي من طريق “مفاوضات السلام” المباشِرة بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وليس من طريق قرارات الأمم المتحدة، وإلاَّ جاز له، ولغيره، كالرئيس أوباما، اتِّهام الفلسطينيين بأنَّهم يريدون (أو يسعون إلى) دولة بلا سلام (مع إسرائيل)!
نتنياهو (وحكومته ودولته) لن يَجِدَ نفسه في موقف حَرِج إذا ما سُئِل “وهل قامت دولة “إسرائيل” من طريق مفاوضات سلامٍ مع الفلسطينيين أو العرب؟”؛ لكنَّه يمكن أنْ يُذكِّرنا بمبدأ التزمته “إسرائيل”، ومؤدَّاه أنَّ “حدودها” لن تُعيِّنها إلاَّ في معاهدات سلامٍ مع العرب؛ وكأنَّها أرادت أنْ تقول، مُذْ أعلنت التزامها ذلك المبدأ، إنَّ مساحة إقليم دولتها ستظل ناقصة، غير مكتملة، إلى أنْ يجنح العرب للسلام معها، وتُعيَّن حدودها النهائية، من ثمَّ، في معاهدات سلامٍ تُبْرَم بينها وبينهم.
وكلمة “سلام”، في قول نتنياهو إنَّ الفلسطينيين، بتقدُّمهم إلى مجلس الأمن الدولي بطلب قبول دولة فلسطين عضوًا (أو عضوًا كامل العضوية) في الأمم المتحدة، يريدون دولة بلا سلام، إنَّما تعني في لغته السياسية الضِّمْنية “ثَمَن”؛ فالفلسطينيون لن يحصلوا على دولةٍ لهم، عملاً بمبدأ “حل الدولتين”، إلاَّ إذا دَفَعوا لإسرائيل “الثَّمَن” الذي تريد؛ كيف لا وهُمْ، بحسب أوهامه التلمودية، يَقْتَطِعون جزءًا من أرضٍ تعود ملكيتها “الشرعية” لـ “الشعب اليهودي”، ليقيموا فيها دولةً لهم؟!
ويَفْهَم نتنياهو، ويريد للعالم كله أنْ يَفْهَم، تقدُّم الرئيس عباس إلى مجلس الأمن بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة على أنَّه أمْرٌ يَكْشِف عن رغبة الفلسطينيين في الحصول على “الدولة” مجَّانًا؛ ذلك لأنَّ قبول دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة يعني أنَّ على الأمم المتحدة (والمجتمع الدولي) أنْ تَعْمَل من أجل رَفْع الاحتلال الإسرائيلي عن إقليم هذه الدولة، والذي يشمل كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حرب يونيو 1967، وعن عاصمتها القدس الشرقية، وأنْ تَعْمَل، أيضًا، من أجل إزالة كل المستوطنات (والأحياء) الإسرائيلية من الضفة الغربية والقدس الشرقية، ومن أجل “حلٍّ عادل متَّفَق عليه (بين الدولتين على وجه الخصوص) وموافِق لقرار الأمم المتحدة الرقم 194” لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين؛ أمَّا مفاوضات السلام فتكون، بعد، وبفضل، قبول الطَّلب الفلسطيني، بين دولتين، تحتل إحداهما أراضي الأخرى، وتَسْتَهْدِف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي وعاصمة دولة فلسطين، وتعديل الخطِّ الحدودي بينهما، وهو خط الرابع من يونيو 1967، تعديلاً طفيفًا، وإنجاز ذلك الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة سلام دائم ونهائي بين الدولتين.
ومع قبول دولة فلسطين عضوًا (ولو غير كامل العضوية) في الأمم المتحدة ينشأ وضع جديد، قوامه “الوجود القانوني الدولي” لدولة فلسطين التي يشمل إقليمها كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حرب يونيو 1967، وتتَّخِذ من القدس الشرقية عاصمة لها؛ ويكفي أنْ ينشأ هذا الوضع حتى تشتد وتَعْظُم صعوبة أنْ تفاوض “إسرائيل” هذه الدولة، وأنْ تكون الولايات المتحدة وسيطًا بين الدولتين في مفاوضات السلام.
الرئيس عباس ينبغي له الآن، أو من الآن وصاعدًا، ألاَّ يقبل العودة إلى طاولة المفاوضات (مع إسرائيل) إلاَّ بَعْد (وليس قَبْل) قبول دولة فلسطين عضوًا (ولو غير كامل العضوية) في الأمم المتحدة؛ فمفاوضات السلام الجديدة يجب أنْ تكون بين دولتين، إحداهما تحتل أراضي الأخرى.
أقول هذا؛ لأنَّ الولايات المتحدة و”إسرائيل” تقودان الآن حراكًا مضادًا، يَسْتَهْدِف “استئناف المفاوضات” مع بقاء “طلب العضوية” معلَّقًا مجمَّدًا إلى أنْ تنتهي المفاوضات؛ و”الصَّفقة” الذي قد (وأقول “قد”) تقبلها حكومة نتنياهو هي “التجميد المتبادل”، أي أنْ تُجمِّد النشاط الاستيطاني كما جمَّدته من قبل في مقابل أنْ يُجمِّد الرئيس عباس (في طريقة ما) مسعاه (في مجلس الأمن والجمعية العمومية) لقبول دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة.
وفي مناخ هذا “التجميد المتبادل” تُسْتأنف مفاوضات السلام (التي لها نهاية زمنية متَّفَق عليها) توصُّلاً إلى حلِّ مشكلتي “الحدود” و”الأمن” أوَّلاً؛ فمِن طريق هذا الحل تريد “إسرائيل” أنْ تقبض نصف ثَمَن قيام الدولة الفلسطينية، ومِن طريق قبول الفلسطينيين حلاًّ نهائيًّا لمشكلة اللاجئين في خارج حدود إسرائيل تريد قبض النصف الآخر؛ فهذا هو معنى قول نتنياهو إنَّ الدولة الفلسطينية تأتي من طريق المفاوضات، ولا يمكن أنْ تأتي من طريق قرارات الأمم المتحدة!
*كاتب فلسطيني – الأردن
صحيفة الوطن العمانية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...