لا بد من إزاحة بلير

ما من شك في أن الطريق نحو نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها عضوًا في الأمم المتحدة لن يكون مفروشًا بالورود، خاصة في ظل تفضيل الولايات المتحدة راعي عملية السلام التمترس على انحيازها للكيان الإسرائيلي وتبني شروطه ومطالبه، وعدم الرغبة في التخلص من المراهقة السياسية التي لا تزال في مرحلة تدليل الـ “بيبي” الإسرائيلي، وللأسف لا يوجد هناك ما يشير في موضوع هذه العلاقة إلى بلوغ مرحلة النضج السياسي.

ففي الوقت الذي تجاهد فيه الدبلوماسية الفلسطينية من أجل حشد أكبر تأييد من الدول الأعضاء بمجلس الأمن لصالح التصويت على طلب الاعتراف بدولة مستقلة، تنتظر اللجنة الرباعية لسلام الشرق الأوسط والتي تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، الموافقة النهائية الفلسطينية على مبادرتها التي تقدمت بها اللجنة عشية تسليم الفلسطينيين طلب الاعتراف بالعضوية للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

مبادرة “الرباعية” جاءت متبنية للموقف الأميركي الرافض لسلوك الجانب الفلسطيني الشرعية الدولية وتدويل القضية، حيث أعلن ذلك صراحة الرئيس الأميركي باراك أوباما رفضه للخطوة الفلسطينية، مدعيًا أن السبيل نحو الحل هو المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، فقد دعت المبادرة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الجلوس على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، على أن يضع الجانبان جدولًا زمنيًّا محددًا لتقديم خطة مفصلة وملموسة لموضوعي الحدود والأمن بما لا يتجاوز ثلاثة أشهر

بالنظر إلى المبادرة فإنها منحازة وممالئة بل ومتوافقة مع الشروط الإسرائيلية، ومخادعة بالنسبة للمطالب الفلسطينية، حيث استبعدت الشروط المسبقة وركزت على قضية الأمن وهذا ما يريده المحتل الإسرائيلي، بينما ألقت للجانب الفلسطيني بطعم الجدول الزمني الذي عده الفلسطينيون عنصرًا مشجعًا. إلا أن الرد الإسرائيلي جاء سريعًا وعمليًّا لا لفظيًّا، حيث أعلنت حكومة الاحتلال عن مشروع استيطاني جديد في حي جيلو بالقدس الشرقية المحتلة وذلك ببناء 1100 وحدة سكنية.

إن من قام بهندسة هذه المبادرة البريطاني المتصهين توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الذي دخل على الخط ليخرج أربابه الإسرائيليين من عزلة دولية بدأت تتبلور بتدويل القضية الفلسطينية وربما تتزايد وتتوسع بإصرار الفلسطينيين على عدم خروج قضيتهم من أروقة الأمم المتحدة، وليلقي أيضًا بطوق نجاة للحليف الأميركي لإنقاذه من حرج استخدام الفيتو في مواجهة المجتمع الدولي الذي – كما يبدو – انكشف له بعض من حقيقة الكيان الإسرائيلي الغاصب واعتماده على فنون المراوغة والخداع والكذب والتزييف ورفضه التسوية، وذلك بانكشاف حقيقة الولايات المتحدة التي نصبت نفسها راعيًا للسلام بأنها هي المعادية للسلام ومن يعطله.

هذا الدور الخبيث للمتصهين بلير لم ينطلِ على الفلسطينيين ولا العرب، فقد وجه المفاوض الفلسطيني نبيل شعث انتقادات لاذعة إلى توني بلير متهمًا إياه بالانحياز إلى الجانب الإسرائيلي قائلًا: لن نقوم بما اقترحه بلير قبلًا عندما قال لنا “لديكم تفسيركم ولديهم تفسيرهم وعليكما أن تتفاوضا لمناقشة التفسيرين”؛ لأن هذا الأمر سيستغرق عشرين عامًا”، مضيفًا شعث: “قلت أخيرًا في نيويورك إنه يتكلم أحيانًا وكأنه إسرائيلي وهو أمر صحيح.

همه الأساسي عدم إزعاج الإسرائيليين، لذلك يكتفي بالتسويق لمشاريعهم وهذا ما يجعله قليل الفائدة بالنسبة لنا”. أما جامعة الدول العربية فأعدت بيان الرباعية محاولة للالتفاف على الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، مؤكدة أن عمليات الاستيطان أوصلت مسار المفاوضات إلى أفق مسدود ولم تبقَ أرض للفلسطينيين للتفاوض بشأنها، داعية الرباعية إلى مراجعة سياساتها ومواقفها، وعليه فإن مبعوثها بلير لم يقم بما هو مطلوب منه وبصورة تعطي أعمال اللجنة المصداقية المطلوبة والأمانة، واتخاذ موقف جدي وعملي

لحقيقة هي أن بلير سمسار سياسي ومالي لا يتمتع بأي مصداقية ونزاهة، وسيرته السياسية كلها ملطخة بالكذب والخداع ودماء الأبرياء، ولو علم فيه الشعب البريطاني خيرًا لما خلعه. وما دام هناك توافق في النظرة بين جامعة الدول العربية والفلسطينيين على سمسرة بلير ودوره المشبوه، فمن الواجب أن يعمل الجانبان على استبداله وإزاحته من المشهد السياسي والمالي نهائيًّا، ورفض مبادرة الرباعية ما لم تنص صراحة على وقف الاستيطان والاعتراف بحدود عام 1967م ومن ثم يكون مسار المفاوضات مجدولًا زمنيًّا ينتهي بتوقيع اتفاق سلام.

صحيفة الوطن العمانية