الأحد 11/مايو/2025

ما أضيق الرحلة.. ما أصغر الدولة

ما أضيق الرحلة.. ما أصغر الدولة

تمخضت حرب 5 يونيو في العام 1967 عن كارثة كبرى وجريمة رهيبة تمثلت باحتلال كل ما تبقى من أرض فلسطين وأراض من الدول العربية المجاورة للكيان الصهيوني، لم تكن نكسة، بل كانت أكثر من نكبة 1948 باغتصاب 78% من أرض فلسطين، حيث تكرست جريمة 1948 وبات البحث محصوراً في عودة الـ”22%” التي احتلت في 1967 وبقية الأراضي العربية التي استخدمت كورقة مساومة لابتلاع “إسرائيل” لكل أرض فلسطين.

صحيح أن العرب رفعوا في قمة الخرطوم اللاءات الثلاث: “لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف”، ولكن في الوقت نفسه أبدوا استجابة لأي حل ينهي آثار عدوان 1967 ويكون عملياً نهاية المطاف وفي التطورات اللاحقة كانت حرب 1973 بنتائجها السياسية والنفسية أسوأ من 48 و67.

فكانت الاتفاقية الأولى لفك الاشتباك بين كل من سوريا ومصر مع “إسرائيل” كحصيلة مباشرة للحرب، لكن الرئيس السادات بعد أشهر اندفع لتوقيع اتفاقية الفصل الثانية، وبذلك أرسى نهج الحل المنفرد مع “إسرائيل” وهو ما تواصل عبر كامب ديفيد 1979 وما سبقه من زيارة السادات ل”إسرائيل” في العام 1977 والاتصالات التي أدت إلى كامب ديفيد برعاية حصرية من أمريكا حيث تم إخراج الأمم المتحدة وقراراتها من المعادلة.

وفي العام 1991 كان مؤتمر مدريد الذي جاء بعد حرب الخليج الثانية التي فتحت أبواب الخليج والمنطقة أمام أمريكا التي تمددت في المياه الدافئة، وعلى الأرض عسكرياً.. كان مؤتمر مدريد شكلياً تحت إشراف الأمم المتحدة، وكان اسمياً مؤتمراً دولياً، انتهت جلساته بإرساء نهج في المفاوضات في واشنطن وتحت إشراف واشنطن حصرياً.

وقد كان الصراع السياسي منذ بدء متاهة التسوية يتركز على إلغاء أي دور للأمم المتحدة وعدم الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وكذلك القانون الدولي. ومن هنا كان ضيق أمريكا و”إسرائيل” بالموقف الفلسطيني الحالي بالتوجه للأمم المتحدة بعد أن ظل يلهث وراء سراب الحلول الوهمية، وعندما وصل إلى الحائط المسدود لم يكن أمامه إلا أن يعيد القضية للأمم المتحدة لتكفر قيادة السلطة عن خطيئة أوسلو التي كانت تكريسا خطيراً للحل المنفرد والذي فرض هذا النهج على الجميع خاصة أن أوسلو أعفت العرب من أي مسؤولية تجاه القضية الفلسطينية.

وظلت أمريكا هي الراعية الوحيدة عبر صيغ المبادرات والمشاريع والحلول المستحيلة والتسوية القائمة على الخداع وكسب الوقت.. و.. و.. الخ، وبالتأكيد فإنه لا يمكن تصور أن الرئيس عباس في توجهه إلى الأمم المتحدة قد قلب الطاولة على الأمريكان والصهاينة، ولكنه أراد إيصال رسالة إلى أن البحث عن خيار الأمم المتحدة هو محاولة لحشد العالم عاطفياً ومعنوياً، وبالتالي الوصول إلى إقامة دولة عضو في الأمم المتحدة، يفترض أنه لا يجوز أن تكون محتلة، ورغم سطوة أمريكا فإن استنهاض عباس للمشاعر الإنسانية لدى الحضور في الجمعية العامة لقي ترحيباً وتصفيقاً، وهو في تقديمه الطلب الذي يلقى تأييداً عالمياً واسعاً فتح الباب نحو قبول الدولة كدولة كاملة العضوية، وهو أمر يصطدم بالفيتو الأمريكي، وكذلك فهو بعيد المنال، لكن الحصول على عضو مراقب بات ممكناً ولو أنه كان محاولة أو مؤامرة من قبل فرنسا وغيرها لصرف النظر عن طلب العضوية، كما كان موقف اللجنة الرباعية وبيانها إعلاناً للاستمرار في المؤامرة الصارخة بإفشال المحاولة الفلسطينية.

وكما ذكرنا قبل يومين، فإن الشاعر الفلسطيني محمود درويش وصف إعلان عرفات للدولة الفلسطينية من الجزائر في عام 1988 بأنه انتصار سياسي معنوي، لكنه أفرغ من مضمونه في أوسلو، وعندما يستعيد عباس على منبر الأمم المتحدة ما قاله درويش: “دائمون هنا، خالدون هنا، ولنا هدف واحد أن نكون وسنكون”.. لكن كان استشهاده الآخر من درويش تعبيراً عن عمق المأساة الفلسطينية التي هي أكبر من نصر سياسي معنوي، وهي كما اقتبس عباس من درويش: “ما أوسع الثورة، ما أضيق الرحلة ما أكبر الفكرة ما أصغر الدولة”.

[email protected]

صحيفة الشرق القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات