عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الأمن مقابل العزلة

الأمن مقابل العزلة

ليست ليفني وحدها من تعترف بأن نتنياهو ورّط تل أبيب في مزيد من العزلة عن المجتمع الدولي، وليس خصوم نتنياهو ومنافسوه وحدهم من يقولون ذلك صباح مساء، فالناطق باسم وزارة الخارجية التي يقودها ليبرمان، وهو من أشد المتطرفين تعصباً ومعاداة للسلام، قال بالأمس وبالحرف الواحد: “إن العزلة إذا كانت ثمناً للشعور بالأمن فلا بأس بها”، هكذا إذاً، تشمل سلسلة المقايضات التي يكون الأمن على الدوام الطرف الثابت فيها، علاقة الدولة الصهيونية بالعالم بأسره، وليس بالعرب أو الشرق الأوسط.

وقد يظهر غداً أو بعد غد من اليهود من يدرك خطورة هذه العزلة التي تتسبب في المزيد منها حكومة يمينية متطرفة كحكومة نتنياهو وليبرمان، ليعيد ما قاله أمريكي عادي على إحدى الشاشات قبل عشرة أعوام، وهو إن من يدفع حريته أو حتى جزءاً منها مقابل الأمن لا يستحق الاثنين معاً، وسوف يفقدهما كالغراب الذي حاول تقليد الحمامة ففقد المشيتين معاً، وتسمّر مكانه.

إن كلمة الأمن في المعجم العبري ذات وقع خاص وأحياناً تصبح كلمة السر في ثقافة تأسست على النرجسية الدينية، بحيث يصبح الآخرون أو “الجوييم” تبعاً لهذا المعجم، هم أعداء إلى أن يبرهنوا على عكس ذلك، فالآخر هو الجحيم، حسب هذه الثقافة الاقصائية، لكن ليس بالمعنى الوجودي الذي عبر عنه سارتر عندما استخدم هذه العبارة.

الاعتراف بالعزلة هو أول الجفاف واليباب لا الغيث في سياسة مصابة بالعمى، وحين تتفاقم هذه العزلة فإن أمثولة جنوب إفريقيا تصبح قابلة للتكرار على نحو أشد، لأن الزمن تغير، وعلت فيه نبرة الحرية، وتضاعف فيه عدد الشهود الذين يعلنون العصيان بقوة على محاولات الابتزاز أو الاستدراج.

والمنطق الذي عبّر ناطق رسمي عنه باسم الخارجية في تل أبيب هو السائد الآن في سياسة ما يسمى التشرنق أو الانكفاء على الذات.

وقد عانت الدولة الصهيونية مرات عدة من العزل الدولي، كان آخرها قبل المطالبة الفلسطينية بالاعتراف بالدولة كعضو مستكمل النصاب في الأمم المتحدة أثناء العدوان على غزة، وقد لا يكون المثل العربي القائل “لا تسلم الجرة في كل مرة” غير مترجم إلى العبرية أو ليس هناك ما يماثله في ثقافة “الغيتو”، فالجرة التي يقيم فيها عنصريون ينتمون إلى القرن الثامن عشر ليست من فولاذ، إنها من فخار هشّ، وهذا ما يفسر الهلع من انكسارها حتى لو كان السبب هو ارتطام كوز صغير بها.

هكذا إذاً، يريدون مقايضة الأمن بأي شيء وربما بكل شيء، لأن هاجسهم والفوبيا التي تستوطن ذاكرتهم وعقولهم أكثر مما يستوطنون الأرض التي استولوا عليها بالقوة.

إن فلسفة من طراز الفلسفة الصهيونية محكوم عليها منذ البدء بألا يكون التاريخ حليفها أو المستقبل مجالها الحيوي، هذا ما قاله مؤرخون ومفكرون اتهموا بمعاداة السامية، بدءاً من المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي حتى المؤرخين اليهود الجدد الذين افتضحوا مذبحة الطنطورة المسكوت عنها لأكثر من نصف قرن.

إن أقصى العزلة هو الموت، فهل يشعر الموتى بالأمان لمجرد أنهم بعيدون عن الأحياء ومدنهم وصخب شوارعهم؟

إن من يقايضون حريتهم وعزلتهم وكراهية العالم لهم بالأمن، سيفقدون كل ما حلموا به دفعة واحدة.

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات